هذه الكلمة: {أَأَعْجَمِيٌّ} [فصلت:44] فيها خمس قراءات، لما كان النطق عند العرب بالهمزتين المتتاليتين ثقيلاً، سهلوا الهمزة الثانية، أو أدخلوا بينها وبين الهمزة الثانية ألفاً، أو أدخلوا بينهما ألفاً وسهلوا الثانية، وجاءت القراءات بحسب ما ينطق هؤلاء تسهيلاً عليهم، فيسر الله عز وجل القرآن للذكر للتلاوة بلهجتهم وقراءتهم، فهذه القراءة الأولى: قراءة قالون ومعه أبو جعفر وقراءة أبي عمرو وقراءة ابن ذكوان بخلفه: {آأعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44] فسهلوا الهمزة مع إدخال الألف.
القراءة الثانية: قراءة حفص عن عاصم والبزي عن ابن كثير ويقرؤها أيضاً ورش وابن ذكوان بخلفه من وجه آخر: {ءاعجمي وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44] فالهمزة الثانية مسهلة فلا تقرأ هاءً (أهجمي)، ولا تقرأ همزة واضحة، وإنما بين بين.
القراءة الثالثة: قراءة الأزرق عن ورش: {آعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44]، بالمد فيها.
القراءة الرابعة: قراءة البزي ورويس بخلفهما: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44]، هذا وجه، ووجه آخر لهما: {أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44]، بهمزة واحدة.
القراءة الخامسة: قراءة هشام وله ثلاثة أوجه فيها، فيقرؤها بالتسهيل {أَأَعْجَمِيٌّ} [فصلت:44].
وبالتسهيل والإدخال {آأَعْجَمِيٌّ} [فصلت:44].
ويقرؤها أيضاً: (أعجمي وعربي).
وقراءة باقي القراء وهم: شعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44].
إذاً: فمجموع القراءات في الهمزة خمس قراءات: التسهيل فيها: {أَأَعْجَمِيٌّ} [فصلت:44].
والتسهيل والإدخال فيها: {أَأَعْجَمِيٌّ} [فصلت:44].
وبالمد الطويل، يقرؤها الأزرق عن ورش: {آَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44].
ويقرؤها شعبة وغيره {َأَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44].
ووجه آخر للبزي ورويس فيها بهمزة واحدة {َأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44].
والمعنى في جميع القراءات واحد وهو الاستفهام للتعجب، أي: كيف ينزل قرآن عربي على رجل أعجمي أو قرآن أعجمي على عربي؟ فإما أن يكون عربياً على عربي، أو عجمياً على أعجمي، فلما جاء على الذي لا تريدونه تتضجرون من ذلك وترفضون وتقولون: لولا نزل هذا القرآن على رجل آخر أو لو جاء بلسان آخر، فقل مجيباً لهم: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت:44].
فالقرآن شفاء من عند رب العالمين، ولقد وصف الله سبحانه تبارك وتعالى هذا القرآن بأنه ذكر ونور وهدى وشفاء لما في الصدور.
وهذا القرآن العظيم جاءكم الله عز وجل به ليهديكم وينير لكم قلوبكم وطريقكم، ففيه النور من الله، وفيه الذكر، فتذكرون الله بتلاوته وبالعمل فيه، وفيه الشرف لكم، وفيه الشفاء للصدور من الشك، ومن ظلمات الكفر والضلال، أما الذين لا يؤمنون ففي آذانهم وقر وهو صمم وثقل فلا يسمعون ولا يفهمون، وهو عليهم عمى.