قال الله لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) [فصلت:44].
تساءل الكفار فيما بينهم فقالوا: لماذا نزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل على أحد آخر من الأعاجم؟ ولماذا لم ينزل على أحد من الملوك والأكابر؟ ((وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31].
فكأنهم استكثروا على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليه قرآن من عند رب العالمين، والله يصطفي من خلقه من يشاء، فيجعله رسولاً صلوات الله وسلامه عليه.
فيقول الله عز وجل لهؤلاء الجهلة: لو فرضنا نزول هذا القرآن بلسان أعجمي، أو انعكس الأمر فنزل قرآناً عربياً على إنسان أعجمي، فإن العقل سيرفض هذا الشيء، وستقولون: لسانه غير لساننا فلا نفهم ما يقول، فلا نريد إلا قرآناً عربياً نفهمه، فأنزل الله هذا القرآن: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195].
أي: أنزل الله تعالى هذا القرآن باللغة العربية على العرب الفصحاء ليعجزهم به، فإنهم يفهمونه ويعلمون ما فيه، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله مفتريات، أو بسورة واحدة.
فلو جعلنا هذا القران قرآناً أعجمياً لكنتم تعجبتم وقلتم: كيف يكون قرآناً أعجمياً على إنسان عربي؟ وأيضاً: {لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت:44].
أي: بينت وميزت هذه الآيات للعرب بلسان عربي، وجعل القرآن الذي نزل بلسان أعجمي للعجم، فجعلناه كله قرآناً عربياً ليس أعجمياً، ونزل عليكم حتى تفهموه، وتبلغوه إلى غيركم من الأمم.
ومعنى أعجمي يعني: بلسان آخر غير اللسان العربي، واللسان العربي أفصح الألسنة، وكأن غيره معه كلا شيء، فالإنسان العربي لسانه مبين، وفصيح، واللسان الأعجمي أقل منه بكثير، والعرب لا يفهمون هذا اللسان.