ولما طال الحصار على بني قريظة رفضوا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قالوا: ننزل على حكم رجل كان حليفنا في الجاهلية، ألا وهو: سعد بن معاذ رضي الله عنه، فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وعند ذلك جاء الأوس إلى سعد بن معاذ يذكرونه كيف كان يهود بني قريظة حلفاءهم في الجاهلية، وأنهم كانوا معهم في الضراء والسراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عبد الله بن أبي ابن سلول يهود بني النضير، فتركهم النبي صلى الله عليه وسلم من أجله، وكانوا حلفاءه في الجاهلية، فقالت الأوس لـ سعد: فلا تكن أقل من ابن سلول في نفع حلفائه من يهود بن النضير، وسعد بن معاذ رضي الله عنه ساكت لا يتكلم بكلمة، ثم قال: آن لـ سعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم.
ويخرج رضي الله عنه إلى يهود بني قريظة، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه).
فقاموا إليه وأنزلوه رضي الله تبارك وتعالى عنه، ثم جلس وحكم في يهود بن قريظة فقال: تقتل مقاتلتهم وتسبى نساءهم وذريتهم وتقسم أموالهم، فكان هذا حكم سعد في هؤلاء الخونة الذين خانوا الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، فحكم فيهم ولم تأخذه في الله لومة لائم.
وعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات).
فوصفه بأنه اجتهد فأصاب حكم الله في هؤلاء، ولو حكم بغير ذلك لخالف حكم الله سبحانه وتعالى، فكان هذا هو حكم الله فيهم.
فقتل من هؤلاء سبعمائة، ولم يسلم أحد منهم، مع معرفتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن فضلوا القتل على أن يدخلوا في دين النبي صلوات الله وسلامه عليه، فاليهود نادر أن يدخل منهم أحد في دين النبي صلى الله عليه وسلم، لطمعهم في الدنيا، وطمعهم في الرياسة، مع ما هم فيه من أكل أموال الناس بالباطل، واليهود يفضل أحدهم الموت على أن يضيع منه المال، أو يضيع منه المنصب الذي هو فيه.
فأبوا أن يدخلوا في دين النبي صلى الله عليه وسلم، فخندقت لهم خنادق وقتلوا فيها، وكانوا عددهم من الستمائة إلى السبعمائة، وكان على حيي بن أخطب حلة جميلة فظن أن المسلمين سيأخذونها، فمزقها قطعاً صغيرة، حتى لا ينتفع بها أحد، وهذه عادتهم في أنهم لا يتركون مكاناً حسناً بعدهم، حتى لا ينتفع به أحد، فهم يفسدون ويخربون في الأرض، فهذا الرجل لما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقتل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: والله ما لمت نفسي في عداوتك أبداً.
يقول ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول للناس: يا أيها الناس! لا بأس بأمر الله قدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه.
نسأل الله عز وجل أن يقتل بقية بني إسرائيل في الدنيا كلها، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخذل أعداء الدين، وأن يحصيهم عددا، ويقتلهم بددا، ولا يبقي منهم أحداً، وأن يمكن للإسلام والمسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.