ثم بعثوا إلى أبي لبابة بن المنذر، وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والرجل والإنسان قد يحدث منه شيء من الأشياء، فيعثر ويقع في الخطأ أو الخطيئة، فـ أبو لبابة عندما أرسلوا إليه، وهو من الأوس، وكان حليف بني قريظة في الجاهلية، فأتاهم فجمعوا إليه أبناءهم ونساءهم ورجالهم، وقالوا له: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد صلى الله عليه وسلم، ويعمل فينا الذي يريده؟ فقال لهم أبو لبابة: نعم، وأشار إلى حلقه، أي: سيذبحكم.
فهنا رضي الله عنه قال: نعم، لأن الله سبحانه تبارك وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم بين الناس، وأبو لبابة كان بإمكانه أن ينصح اليهود في شيء ويقع في الخيانة لكن لن يقع في الكفر، ويقول لهم: لا تنزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم.
فهنا قالوا: ننزل على حكم محمد.
قال: انزلوا على حكم محمد، وأشار إلى أنه إذا نزلتم على حكمة سيذبحكم عليه الصلاة والسلام، فوقع في الخيانة بسبب هذا الكلام.
فلما فعل ذلك تخلى الشيطان عنه وتركه، وهو الذي أغواه وأوقعه في ذلك، وإذا به يتذكر أنه قد خان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبدل أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى المدينة، فدخل المسجد وربط نفسه في سارية من سواري المسجد، حتى يتوب الله عليه، أو يموت على هذه الحالة، وكانت امرأته تفك رباطه وقت الصلاة فيصلي مع المسلمين، ثم يعود إلى رباطه مرة أخرى، فبلغ أمره للنبي صلى الله عليه وسلم.
وانظر إلى الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، قال: (أما إنه لو أتاني لاستغفرت له، لكن أما وقد فعل ما فعل، فلا أطلقه حتى يطلقه الله)، أي: حتى تأتي براءته وحكمه من الله عز وجل، فيتوب عليه، فأنزل الله عز وجل قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102].
فكان أبو لبابة من ضمن الذين اعترفوا بذنوبهم، وتابوا إلى الله سبحانه فتاب الله عز وجل عليهم.