فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي كُنْتُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى ثُعْبَانَيْنِ اقْتَتَلَا ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى الْمُعْتَرَكِ فَوَجَدْتُ حَيَّاتٍ كَثِيرَةً مَقْتُولَةً، وَإِذْ يَنْفَحُ مِنْ بَعْضِهَا رِيحُ الْمِسْكِ، فَجَعَلْتُ أَشُمُّهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً حَتَّى وَجَدْتُ ذَلِكَ مِنْ حَيَّةٍ صَفْرَاءَ رَقِيقَةٍ، فَلَفَفْتُهَا فِي عِمَامَتِي وَدَفَنْتُهَا، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ نَادَانِي مُنَادٍ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ هُدِيتَ، هَذَانَ حَيَّانِ مِنَ الْجِنِّ بَنُو أَشْعِيبَانَ وَبَنُو أُقَيْشٍ الْتَقَوْا فَكَانَ مِنَ الْقَتْلَى مَا رَأَيْتَ، وَاسْتُشْهِدَ الَّذِي دَفَنْتَهُ وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا الْوَحْيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ رَأَيْتَ عَجَبًا، وإن كنت كاذبا فعليك كذبك.

وقوله تبارك وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ أَيْ طَائِفَةً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا أَيْ اسْتَمِعُوا وَهَذَا أَدَبٌ مِنْهُمْ.

وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ الله عنهما قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ سُكُوتًا؟ لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ مِنْكُمْ رَدًّا، مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ من مرة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرحمن: 57] إِلَّا قَالُوا: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِكَ أَوْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ» .

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (?) فِي التَّفْسِيرِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ:

غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ عَنْ زُهَيْرٍ كَذَا قَالَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ به مثله. وقوله عز وجل: فَلَمَّا قُضِيَ أي فرغ كقوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ [الْجُمُعَةِ: 10] فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فُصِّلَتْ:

12] فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 200] وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ أَيْ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَأَنْذَرُوهُمْ مَا سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقوله جل وعلا: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

[التَّوْبَةِ: 122] وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْجِنِّ نُذُرٌ وَلَيْسَ فِيهِمْ رُسُلٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِنَّ لَمْ يبعث الله منهم رسولا لقوله تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [يُوسُفَ: 109] . وَقَالَ عز وجل: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الْفُرْقَانِ: 20] . وَقَالَ عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ [الْعَنْكَبُوتِ: 27] فَكُلُّ نبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015