فَقُلْتُ: رَأَيْتُ رِجَالًا سُودًا مُسْتَشْعِرِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُولَئِكَ وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ أَتَوْنِي فَسَأَلُونِي الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَمَتَّعْتُهُمْ بِكُلِّ عَظْمٍ حَائِلٍ أَوْ رَوْثَةٍ أو بعرة» قلت:
فما يغني عنهم ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم «إِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَظْمًا إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ أُكِلَ، وَلَا رَوْثَةً إِلَّا وَجَدُوا فِيهَا حَبَّهَا الَّذِي كَانَ فِيهَا يَوْمَ أُكِلَتْ فَلَا يَسْتَنْقِي أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَظْمٍ وَلَا بَعْرَةٍ» وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَلَكِنْ فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ، وَاللَّهُ تعالى أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنِي نُمَيْرُ بْنُ زَيْدٍ الْقَنْبَرُ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا قُحَافَةُ بْنُ ربيعة، حدثني الزبير بن العوام رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «أَيُّكُمْ يَتْبَعُنِي إِلَى وَفْدِ الْجِنِّ اللَّيْلَةَ؟» فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ ثَلَاثًا، فَمَرَّ بِي فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلْتُ أَمْشِي مَعَهُ حَتَّى حُبِسَتْ عَنَّا جِبَالُ الْمَدِينَةِ كُلُّهَا، وَأَفْضَيْنَا إِلَى أَرْضِ بَرَازٍ فَإِذَا بِرِجَالٍ طُوَالٍ كَأَنَّهُمُ الرِّمَاحُ مُسْتَشْعِرِينَ بِثِيَابِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَرْجُلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ غَشِيَتْنِي رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِوُفُودِ الْجِنِّ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أبو نعيم: حدثنا أبو محمد بن حبان، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا يعقوب الدورقي، حدثنا الوليد بن بكير التيمي، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدٌ الْمُكْتِبُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ يُرِيدُونَ الْحَجَّ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ تَنْثَنِي على الطريق أبيض، ينفح مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: امْضُوا فَلَسْتُ بِبَارِحٍ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْرُ هَذِهِ الْحَيَّةِ. قَالَ:
فَمَا لَبِثَتْ أَنْ مَاتَتْ فَعَمَدْتُ إِلَى خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ فَلَفَفْتُهَا فِيهَا ثُمَّ نَحَّيْتُهَا عَنِ الطَّرِيقِ فَدَفَنْتُهَا وَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي في المتعشى. قال: فو الله إِنَّا لَقُعُودٌ إِذْ أَقْبَلَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ: أَيُّكُمْ دَفَنَ عَمْرًا. قُلْنَا: وَمَنْ عَمْرٌو، قَالَتْ: أَيُّكُمْ دَفَنَ الحية؟ قال فقلت: أَنَا. قَالَتْ:
أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ دَفَنْتَ صَوَّامًا قواما، يأمر بما أنزل الله تعالى، وَلَقَدْ آمَنَ بِنَبِيِّكُمْ وَسَمِعَ صِفَتَهُ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِأَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ. قَالَ الرَّجُلُ: فحمدنا الله تعالى ثُمَّ قَضَيْنَا حَجَّتَنَا ثُمَّ مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الخطاب رضي الله عنه بالمدينة، فَأَنْبَأْتُهُ بِأَمْرِ الْحَيَّةِ فَقَالَ: صَدَقْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَقَدْ آمَنَ بِي قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ بِأَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ وَالظَّهْرَانِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ: هُوَ الَّذِي نَزَلَ وَدَفَنَ تِلْكَ الْحَيَّةَ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُمْ قالوا إِنَّهُ آخِرُ التِّسْعَةِ مَوْتًا الَّذِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ، وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَمِّهِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجاء رجل