الْعِبَادَةِ مَا كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا أَيْ أَنْتِ مِنْ بَيْتٍ طَيِّبٍ طَاهِرٍ مَعْرُوفٍ بِالصَّلَاحِ وَالْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ، فَكَيْفَ صَدَرَ هَذَا مِنْكِ؟

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالسُّدِّيُّ: قِيلَ لَهَا: يَا أُخْتَ هارُونَ أَيْ أَخِي مُوسَى، وَكَانَتْ مِنْ نَسْلِهِ كَمَا يُقَالُ لِلتَّمِيمِيِّ: يَا أَخَا تَمِيمٍ، وَلِلْمُضَرِيِّ يَا أَخَا مُضَرٍ (?) ، وَقِيلَ: نُسِبَتْ إِلَى رَجُلٍ صَالِحٍ كَانَ فِيهِمُ اسْمُهُ هَارُونُ، فَكَانَتْ تُقَاسُ بِهِ في الزهادة والعبادة، وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ شَبَّهُوهَا بِرَجُلٍ فَاجِرٍ كَانَ فِيهِمْ يُقَالُ لَهُ هَارُونُ (?) .

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الهِسِنْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرٍ عَنِ الْقُرَظِيِّ في قوله اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أُخْتَ هارُونَ قَالَ: هِيَ أُخْتُ هَارُونَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَهِيَ أُخْتُ مُوسَى أَخِي هَارُونَ الَّتِي قَصَّتْ أَثَرَ مُوسَى فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [الْقَصَصِ: 11] وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ مَحْضٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ قَفَّى بِعِيسَى بَعْدَ الرُّسُلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ بَعْثًا، وَلَيْسَ بَعْدَهُ إِلَّا مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ الله وسلامه عليهما، ولهذا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ» وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، لَمْ يَكُنْ مُتَأَخِّرًا عَنِ الرُّسُلِ سِوَى مُحَمَّدٍ، وَلَكَانَ قَبْلَ سُلَيْمَانَ وَدَاوُدَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة: 246] وذكر الْقِصَّةَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ [البقرة: 251] الآية، وَالَّذِي جَرَّأَ الْقُرَظِيَّ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا فِي التَّوْرَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْبَحْرِ وَإِغْرَاقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ.

قَالَ: وَكَانَتْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ أُخْتُ مُوسَى وَهَارُونَ النَّبِيَّيْنِ تَضْرِبُ بِالدُّفِّ هِيَ وَالنِّسَاءُ مَعَهَا يُسَبِّحْنَ اللَّهَ وَيَشْكُرْنَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاعْتَقَدَ الْقُرَظِيُّ أَنَّ هَذِهِ هِيَ أَمُّ عيسى وهذه هَفْوَةٌ وَغَلْطَةٌ شَدِيدَةٌ، بَلْ هِيَ بَاسِمِ هَذِهِ، وَقَدْ كَانُوا يُسَمُّوْنَ بِأَسْمَاءِ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (?) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، سَمِعَتْ أَبِي يَذْكُرُهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى نجران فقالوا: أرأيت ما تقرؤون يَا أُخْتَ هارُونَ وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَسَمَّوْنَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ» (?) انْفَرَدَ بإخراجه مسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015