قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُمْ نَاسٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَمِنْهُمْ عُرينة نَاسٌ مِنْ بَجيلة. (?)

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي حُكْمِ هَؤُلَاءِ العُرَنيين: هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مُحْكَمٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَزَعَمُوا أَنَّ فِيهَا عِتَابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] (?) {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التَّوْبَةِ:43] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُثْلة. وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ صَاحَبَهُ مُطَالِبٌ (?) بِبَيَانِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ الَّذِي ادَّعَاهُ عَنِ الْمَنْسُوخِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّ قِصَّتَهُمْ مُتَأَخِّرَةٌ، وَفِي (?) رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِقِصَّتِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهَا (?) فَإِنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَمْ يُسْمِلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ، وَإِنَّمَا عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ فبيَّن حُكْمَ الْمُحَارِبِينَ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ أَنَّهُ (?) سمَلَ -وَفِي رِوَايَةٍ: سَمَرَ-أَعْيُنَهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: ذَاكَرْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ مَا كَانَ مِنْ سَمْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ، وتَركه (?) حَسْمهم حَتَّى مَاتُوا، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَجْلَانَ يَقُولُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاتَبَةً فِي ذَلِكَ، وعلَّمه (?) عُقُوبَةَ مِثْلِهِمْ: مِنَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ، وَلَمْ يُسْمِلْ بِعْدَهُمْ غَيْرَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ ذُكِرَ لِأَبِي عَمْرٍو -يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ-فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ (?) نَزَلَتْ مُعَاتَبَةً، وَقَالَ: بَلْ كَانَتْ عُقُوبَةَ أُولَئِكَ النَّفَرِ بِأَعْيَانِهِمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عُقُوبَةِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ حَارَبَ بَعْدَهُمْ، وَرَفَعَ عَنْهُمُ السَّمْلَ.

ثُمَّ قَدِ احْتَجَّ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَهَابِهِمْ إِلَى أَنَّ الْمُحَارَبَةَ (?) فِي الْأَمْصَارِ وَفِي السُّبْلَانِ عَلَى السَّوَاءِ لِقَوْلِهِ: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا} وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَتَّى قَالَ مَالِكٌ -فِي الَّذِي يَغْتَالُ الرَّجُلَ فَيَخْدَعُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ بَيْتًا فَيَقْتُلُهُ، وَيَأْخُذُ مَا مَعَهُ-: إِنَّ هَذَا مُحَارِبَةٌ، وَدَمُهُ إِلَى السُّلْطَانِ لَا [إِلَى] (?) وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعَفْوِهِ عَنْهُ فِي إِنْفَاذِ الْقَتْلِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ إِلَّا فِي الطُّرُقَاتِ، فَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ إِذَا اسْتَغَاثَ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ لِبُعْدِهِ مِمَّنْ يُغِيثُهُ وَيُعِينُهُ. [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] (?)

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ} الْآيَةَ: قَالَ (?) [عَلِيُّ] (?) بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس فِي [قَوْلِهِ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015