إنِّي ما أبْكِي لفقدهمَا إنما أبكانِي كيفَ كانَ رضاهُما عن اللهِ حيثُ أخذْتهُما
السيوفُ.
وكانَ بعضُ العارفينَ يطوفُ بالبيتِ فتجمعتِ القرامطةُ على الناس قتلُوهم
في الطوافِ فوصلُوا إليه فلم يقطع الطوافَ حتى سقطَ من ظربِ السيوفِ
صريعًا وأنشدَ:
واللَّهِ لو حلفَ العشاقُ أنهُمُ موتى. . . من الحبِّ ما ماتُوا وما حنثُوا
ترى المحبِّين صرْعى في ديارِهمُ. . . كَفِتْيةِ الكهفِ لا يدرونَ كم لبِثوا
أقلُّ ثمنِ المحبةِ بذل الروح.
بدمِ المحبِّ يُبَاعُ وصلُهُم. . . فمن الذي يبْتَاعُ بالثمنِ
قال بعضُ العارفينَ: إن كنت تسمحُ ببذل روحكَ في هذه الطريقِ وإلا فلا
تشتغلْ بالتُرَّهَات:
خاطرْ بروحكَ في هَوانَا واسترحْ. . . إنْ شئتَ تحظى بالمحل الأعظمِ
لا يشغلنَّكَ شاغِلٌ عن وصلِنا. . . وانهضْ على قدمِ الرجاءِ واقدمِ
ولما كانتْ محبةُ اللَّهِ عز وجل لها لوازمٌ وهي محبةُ ما يحبُّه اللَّهُ عز وجل
من الأشخاصِ والأعمال، وكراهةِ ما يكرههُ من ذلكَ سأل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اللَّهَ تعالَى مع محبته محبةَ شيئينِ آخرينِ:
أحدُهما: محبةُ من يحبُّ ما يحبُّه اللَّهُ تَعالى فإن من أحبَّ اللَّهَ أحبَّ أحباءهَ
فيهِ ووالاهم وأبغضَ أعداءَهُ وعاداهم.
كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
"ثلاثٌ من كنَّ فيه وجدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ، أن يكونَ اللَهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهُما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا للَّهِ، وأن يكرَه أنْ يعودَ في الكفرِ بعدَ إذ اْنقذهُ اللَّهُ منه كما يكرهُ أن يلقَى في النارِ".