كانَ قلبُ أبي داودَ يخشاهُ، فشكرَ اللَّهُ لهُ ذلكَ وأعطاهُ مُلْكًا لا ينبغي لأحدٍ
من بعده.
ومحبةُ اللَّهِ تعالَى على درجتينِ:
إحداهما: واجبةٌ وهيَ المحبةُ التي توجبُ للعبِد محبةَ ما يحبُّه اللَّهُ من
الواجباتِ وكراهةِ ما يكرهُهُ من المحرماتِ، فإنَّ المحبةَ التامةَ تقتضِي الموافقةَ
لمن يحبُّه في محبةِ ما يحبُّه وكراهةِ ما يكرههُ خصوصًا فيما يحبُّه ويكرهُهُ من
المحبِّ نفسِهِ، فلا تصحُّ المحبةُ بدونِ فعلِ ما يحبُّه المحبوب من مُحبَهِ وكراهةِ
ما يكرهُهُ المحبوبُ من محبيهِ، وسئلَ بعضُ العارفينَ عن المحبةِ فقالَ: الموافقةُ
في جميع الأحوالِ وأنشدَ:
ولو قلتَ لي مُتْ مُتُّ سمعًا وطاعة. . . وقلتُ لداعي الموتِ أهلاً ومرحبًا
وأنشدَ بعضُهُم:
تعصِي الإلهَ وأنتَ تزعمُ حبَّهُ. . . هذا لعمري في القِياسِ فظيعُ
لو كانَ حبُّكَ صادقًا لأطعتهُ. . . إن المحبَّ لمنْ يحبُّ مطيعُ
ومتى أخلَّ العبدُ ببعضِ الواجباتِ أو ارتكبَ بعضَ المحرماتِ فمحبّته لربِّهِ
غيرُ تامَّةٍ، فالواجبُ عليهِ المبادرةُ بالتوبةِ، والاجتهادُ في تكميلِ المحبةِ المفضيةِ
لفعلِ الواجباتِ كلِّها، واجتنابِ المحرماتِ كلِّها، وهذا معنى قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
" لا يزني الزانِي حينَ يزني وهو مؤمن ولا يسرقُ السارقُ حينَ يسرقُ وهوَ مؤمن ولا يشربُ الخمرَ حينَ يشربُها وهو مؤمنٌ "
فإنَّ الإيمانَ الكاملَ يقتضِي محبَّة ما يحبُّه اللَّهُ، وكراهةَ ما يكرهُهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ، والعملَ بمقتضَى ذلكَ فلا يرتكب أحدٌ