وكانَ عُمرُ بنُ عبد العزيزِ - رحمه اللَّهُ - شديدَ العنايةِ بذلكَ، وكتبَ مرَّةً
إلى أهلِ الموْسم كتابًا يُقرأ عليهم، وفيه الأمرُ بالإحسانِ إليهم، وإزالةُ المظالم
التي كانَتْ عليهم، وفي الكتابِ: "ولا تَحْمدُوا على ذلكَ كُلِّه إلا اللَّه، فإنَّه
لوْ وَكَلَنِي إلي نفْسِي كُنْتُ كغيرِي ".
وحكايتُهُ مع المرأةِ التي طلبتْ منه أن يَفرضَ لبَناتها اليتامى مشهورةٌ، فإنها
كانتْ لها أربعُ بنَاتٍ، ففرض لثْنتينِ منهنَّ، وهي تحمدُ اللَّه، ثم فرض للثالثةِ
فشكرتْهُ فقال: إنَّما كُنَّا نفرِضُ لهُنَّ حيثُ كُنتِ تولينَ الحمدَ أهلَهُ، فمُري هذه الثلاثَ يُواسينَ الرابعةَ. أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
أرادَ أن يُعرفَ أنَّ ذا الولايةِ إنما هو مُنتصب لتنفيذِ أمر اللَّه، وآمرٌ العبادَ
بطاعتِهِ تعالى، وناهٍ لهم عن محارمِ اللَّهِ، ناصحٌ لعبادِ اللَّهِ بدُعائهم إلى اللَّهِ.
فهو يقصدُ أن يكون الدينُ كلُّه للَّه، وأن تكونَ العِزَّة للَّه، وهو مع ذلك
خائفٌ من التقصيرِ في حقوقِ اللَّه تعالى - أيضًا -.
فالمحبُّونَ للَّهِ غايةُ مقاصدِهِم من الخلقِ أن يُحبُّوا اللَّهَ ويطيعُوه.
ويُفردوه بالعبوديةِ والإلهيةِ، فكيفَ من يزاحِمُهُ في شيء من ذلكَ؛ فهو لا
يريدُ منَ الخلقِ جزاءًا ولا شُكُورًا، وإنما يرجُو ثوابَ عملِهِ من اللَّهِ كما قال
اللَّهُ تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُطرُوني كما أطرَتِ النصارى المسيحَ ابنَ مريمَ، إنَّما أنا عبد، فقولُوا: عبدَ اللَّهِ ورسولَهِ ".