من الصحابة أكفأ عن عثمان من عليٍّ " فيقالُ له: لِمَ يسبُّونه إذًا؛ فيقول: "إنَّ المُلْكَ لا يقومُ إلا بذلك ".
ومُرادُهُ أنَّه لولا تنفيرُ قلوبِ الناسِ عن عليٍّ ووَلَدِهِ ونسبُهم إلى ظلم عثمانَ
لما مالتْ قلوبُ الناسِ إليهم، لما علموه من صفاتِهِم الجميلةِ وخصائصِهم
الجليلةِ، فكانوا يُسرعون إلى مُتابعتهم ومبايعتِهم فيزولُ بذلك مُلكُ أميَّة.
وينصرفُ الناسُ عن طاعتِهِم.
* * *
ومن هذا البابِ - أيضًا - أن يحبَّ ذُو الشرفِ والولايةِ أن يُحمدَ على
أفعالِهِ ويُثْنَى عليه بها، ويَطلبُ من الناسِ ذلك، ويَتَسببُ في أذى من لا
يُجيبُه إليه، ورُبَّما كان ذلك الفعلُ إلى الذمِّ أقربَ منه إلى المدح، ورُبَّما أظهر أمرًا حسنًا في الظاهرِ، وأحبَّ المدحَ عليه وقصَدَ به في الباطنِ شرًّا، وفرِحَ بتمْويهِ ذلك وترويجه على الخلقِ.
وهذا يدخلُ في قولِهِ تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) ، الآية.
فإن هذه الآيةَ إنما نزلتْ فيمن هذهِ صفاتُهُ، وهذا الوصفُ - أعني: طلبَ
المدح منَ الخلقِ ومحبَّتَهُ والعقوبةَ على تركِهِ - لا يصلحُ إلا للَّه وحدَهُ لا
شريكَ لهُ، ومن هُنا كان أئمةُ الهُدى ينهَوْن عن حمدِهِم على أعمالِهِم وما
يَصدُرُ منهم منَ الإحسان إلى الخلْقِ، ويأمرُونَ بإضافةِ الحمدِ على ذلكَ للَّهِ
وحدَهُ لاشريكَ لهُ، فإن النًّعَمَ كلَّها منه.