الأحياءِ وقد قيلَ في الأنبياءِ مثلُ ذلكَ أيضًا.
وعلى هذا حمَلَ طائفةٌ من العلماءِ منهمُ البيهقي وأبو العباسِ القرطبيُّ قولَ
النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى) ، فأكونُ أنا أولُ من يبعثُ، فإذا موسى آخذٌ بالعرشِ، فلا أدْرِي أحوسبَ بصعقةِ الطورِ أم بُعثَ قبلِى".
وفي رواية: "أوْ كانَ ممن استَثْنى اللَّهُ ". فإن حياةَ الأنبياءِ أكملُ من حياةِ الشهداءِ، بلا ريبٍ، فيشملُهم حكمُ الأحياءِ أيضًا، ويصعقونَ مع الأحياءِ حينئذ، لكن صعقةُ غشي لا صعقةَ موتٍ، إلا موسى فإنه تردَّدَ فيه هل صُعِقُ أم كان ممن استثْنى اللَّهُ، فلم يُصعقْ لمجازاةِ اللَّه له، بصعقةِ الطورِ؛ ولكنْ على هذا التقدير فموسى مبعوثٌ قبل مَحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، لا محالةَ، فكيفَ تردَّد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك
في كونِ الشهداءِ لا يُصعقونَ والأنبياءُ يُصعقُونَ، إشكالٌ أيضًا، واللَّه أعلمُ
بمرادِهِ ومرادِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كلِّه.
والفرقُ بينَ حياةِ الشهداءِ وغيرِهم منَ المؤمنينَ الذين أرواحُهُم في الجنةِ.
وجهين:
أحدُهُما: أنَّ أرواحَ الشهداءِ تُخلقُ لها أجسادٌ، وهي الطيرُ التي تكونُ في
حواصِلِها، ليكملَ بذلك نعيمُها، ويكونُ أكملُ من نعيم الأرواء المجردةِ عنِ
الأجسادِ، فإن الشهداءَ بذلُوا أجسادَهُم للقتلِ في سبيلِ اللَهِ فعوّضوا عنها بها
الأجسادَ في البرزخ.
والثاني: أنهم يُرزقونَ في الجنةِ، وغيرُهُم لم يثبتْ له في حقِّه مثلُ ذلكَ فإنه