وقوله - صلى الله عليه وسلم - ا: "ما مِنْ نفسٍ منْفُوسة اليومَ، يأتي عليها مائةُ سنة وهي حيَّةّ يومئذٍ".
وفي رواية: "لا يأتي مائةُ سنة وعلى الأرضِ نفسٌ منفوسةٌ اليومَ ".
والمرادُ موتُ الأحياءِ الموجودينَ في يومِهِ ذلكَ، ومفارقةَ أرواحِهِم
لأبدانِهِم، قبلَ المائةِ سنةِ، ليس المرادُ عدمَ أرواحِهِم واضمحلالِهَا، فكذلك
قولُهُ سبحالهُ وتعالى: (كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، إنَّما المرادُ كلُّ
مخلوق فيه حياةٌ فإنَه يذوقُ الموتَ، وتفارقُ رُوحُه بدَنَه، فإنْ أرأدَ من قالَ: إن النفسَ والروحَ تموتُ، إنها تذوقُ ألمَ مفارقةِ الجسدِ فهو حق، وإنْ أرادَ أنَّها تُعدم وتتلاشى فليسَ بحق، وقدْ استنكرَ العلماءُ هذه المقالةَ، حتى قالَ
سحنونُ بنُ سعيد وغيرُهُ: هذا قولُ أهلِ البدع، والنصوصُ الكثيرةُ الدالةُ على بقاءِ الأرواح بعدَ مفارقِتها للأبدانِ تردُّ ذلكَ وتبطلُهُ.
ولكن قد تخيلَ بعضُ المتأخرينَ موتَ الأرواح عند النفخةِ الأولى مستدِلاً
بقوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْض إلاَّ مَن شَاءَ اللهُ) .
وردَّ عليه آخرونَ، وقالَ: إنَّما المرادُ أنه يموتُ من لم يكنْ
ماتَ قبلَ ذلكَ، ولكنْ وردَ عن طائفةٍ من السلفِ في قولِهِ: (إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ) أن المستثنى هم الشهداءُ.
روي ذلك عن أبي هريرةَ وابنِ عباس وسعيدِ بنِ جبيرٍ وغيرِهم - رضي الله عنهم -.
ورُوي ذلكَ عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ الصورِ الطويلِ، ومن وجهٍ آخرَ بإسنادٍ أجودَ من إسنادِ حديثِ الصورِ، وهذا يدلُّ على أن للشهداءِ حياةً يشاركونَ بها الأحياءَ، حتى يحتاجَ إلى استثنائهِم ممن يصعقُ من