جاءَ أنهم يُعلَّقون في شجرِ الجنةِ. ورُوي يعلقون بفتح اللامِ وضَقَها، فقيلَ:
إنَّهما بمعى، وأنَّ المرادَ الأكلُ من الشجرِ، قال ابنُ عبدِ البرِّ: وقيل: بلْ روايةُ الضمِّ معناها الأكلُ، وروايةُ الفتح معناها التعلُّق.
وهو التسترُ. وبكلِّ حالٍ فلا يلزم مساواتُهُم للشهداءِ في كمالِ تنعمهم بالأكلِ، واللَّهُ أعلم.
وقد ذهبَ طائفةٌ من المتكلمينَ إلى أن الروحَ عرضٌ لا تبقى بعدَ الموتِ.
وحملُوا ما وردَ من عذابِ الأرواح ونعيمِها بعدَ الموتِ على أحدِ أمرينِ: إما
أنَّ العرضَ الذي هو الحياةُ يعادُ إلى جزءٍ من البدنِ، أو على أنْ يخلقَ في بدنٍ
آخرَ.
وهذا الثاني باطلٌ قطْعًا، لأنه يلزمُ منه أنْ يعذَّب بدنٌ غيرُ بدنِ الميتِ، معَ
روح غيرِ روحِهِ، فلا يعذَّبُ حينئذٍ بدنُ الميتِ ولا رُوحُه، ولا يتنعمانِ أيضًا، وهذا باطلٌ قطعًا، والأولُ باطلٌ - أيضًا - بالنصوصِ الدالةِ على بقاءِ الروح منفردةً عن البدنِ بعد مفارقتِها له، وهي كثيرةٌ جدًّا وقد سبقَ ذكرُ بعضِها.
وقد احتجَّ بعضُهم على فناءِ الأرواح وموتِها بما رُوي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كانَ إذا دخلَ المقابرَ قالَ: "السَّلامُ عليكُم أيتُها الأرواحُ الفانيةُ، والأبدانُ الباليةُ، والعظامُ النخرةُ، التي خرجتْ من الدُّنيا وهي باللَّه مؤمنه اللَّهُمَّ أدخلْ عليهم رَوْحًا منكَ وسَلاما مِنَّا".
وهذا حديثٌ خرَّجه ابنُ السُّني، من طريقِ عبدِ الوهابِ بنِ جابرِ
التيميِّ، حدثنا حبانُ بنُ عليٍّ، عن الأعمشِ، عن أبي رزينٍ، عن ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يثبت رفعُه، وعبدُ الوهابِ لا يُعرفُ، وحبّانُ ضعيف، ولو صحَّ حُمِلَ على أنَّه أرادَ بفناءِ الأرواح ذهابَها من الأجسادِ