وقد تقدمَ في سؤال عبدِ اللَّهِ بنِ الإمامِ أحمدَ لأبيهِ عن الأرواح هل تموتُ
بموتِ الأجسادِ؟ وهذا يدلُّ على أنَّ هذا قد قيل أيضًا وهو كذلكَ.
وقد حُكِي عن طائفة من المتكلمينَ وذهبَ إليه جماعة من فقهاءِ الأندلسِ
قدِيمًا، منهم عبدُ الأعلى بنُ وهبٍ ومحمدُ بنُ عمرَ بن لبابة، ومن متأخرِيهم
كالسهيلي وأبي بكرِ بنِ العربيِّ وغيرِهِما، قال أبو الوليد بنُ الفرضيِّ في
"تاريخ الأندلسِ ": أخبرني سليمانُ بنُ أيوبَ، قالَ: سألتُ محمدَ بنَ
عبدِ الملكِ بنِ أيمن، عنِ الأرواح؟
فقال لِي: كانَ محمدُ بنُ عمرَ بنِ لبابةِ
يذهبُ إلى أنها تموتُ. وسألته عن ذلكَ؟
فقال: كذا كانَ عبدُ الأعْلَى يذهبُ
فيها، قال ابنُ أيمن، فقلتُ له: إنَّ عبدَ الأعْلَى كان قدْ طالعَ كتبَ المعتزلةِ
ونظرَ في كلامِ المتكلمينَ، فقال: إنَّما قلدتُ عبدَ الأعْلَى ليسَ عليَّ من هذا
شيء. انتهى.
وقد استدل أربابُ هذا القول بقولِهِ تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموتِ) ، وهذا حقّ كما أخبرَ اللَّهُ به، لا مِرْيَةَ فيه، ولكن الشأنَ في فهم
معناهُ، فإن النفسَ يُرادُ بها مجموعُ الروح والبدنِ. كما في قولِهِ تعالى:
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8".
وقوله سبحانه وتعالى: (فَلا تُزَكوا أَنفُسَكُمْ) .
وقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ)
وقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كسَبَتْ رَهِينَة) .
وقوله تعالى: (يَوْمَ تَأتِي كلّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن ئفْسِهَا) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منْ نفسٍ مَنْفُوسةٍ إلا اللَهُ خالقُها".