قد حملَهُ بعضُهم على أنَّ هذه الأرواحَ التي عن يمينِ آدمَ وشمالِه هي
أرواحُ العصاةِ من الموحدينَ وحملَها بعضُهم على أنها أرواحُ بنيهِ الذينَ لم
تُخلقْ أجسادُهُم بعد، وهذا في غايةِ البعدِ مع منازعةِ بعضِهم في خلقِ
الأرواح قبل أجسادِها.
وقد وردَ من حديثِ أبي هريرةَ، ما يزيلُ هذا الإشكالَ كلَّه، من روايةِ أبي
جعفر الرازيِّ، عن الربيع بنِ أنسي عن أبي العاليةَ أو غيرِه، عن أبي هريرةَ.
فذكر حديثَ الإسراء بطول، إلى أن قال: "ثمَّ صعد به إلى سماءِ الدنيا، فاستفتح، فقيل: من هذا؟
قال: جبريلُ، قيلَ: ومن معك؟
قال: محمدٌ قالُوا: وقد أُرسِلَ محمد؟
قال: نعمْ، قالَ: حيَّاه اللَّهُ من أخٍ ومن خليفة، فنِعْمَ الأخُ، ونعمَ الخليفةُ، ونعِمَ المجيءُ جاءَ، قال: فدخلَ فإذا هو برجلٍ تامِّ الخلقِ، لم ينقص خلقِه شيء كما ينقص من خلقِ الناسِ، عن يمينِهِ باب يخرجُ منه ريح طيبة وعن شمالِهِ باب يخرجُ منه ريح خبيثة إذا نظرَ إلى البابِ الذي عن يمينِهِ ضحكَ واستبشرَ، وإذا نظرَ إلى البابِ الذي عن شمالهِ بكى وحزنَ، قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: يا جبريلُ من هذا الشيخُ التامُّ الخلقِ الذي لم ينقصْ من خلقِهِ شيء؛ وما هذانِ البابانِ؟
قال: هذا أبوكَ آدمُ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم.
البابُ الذي عن يمينِه بابُ الجنةِ، فإذا نظرَ من يدخلُ الجنةَ من ذرينِه ضحكَ واستبشرَ، والبابُ الذي عن شمالِهِ بابُ جهنّم، فإذا نظرَ من يدخلُ من ذريتِه النارَ بكى وحزِنَ "، وذكر الحديثَ.
وقد خرَّجه بتمامِهِ البزَّارُ في "مسندهِ "، وأبو بكرٍ الخلالُ وغيرُ واحدٍ.
وفيه التصريحُ بأن أرواحَ ذريته في الجنة والنارِ، وأنه ينظرُ إلى أهلِ الجنة من
بابٍ عن يمينِه، وإلى أهلِ النارِ من باب عن شمالِه، وهذا لا يقتضِي أن تكون