وقد رويتْ هذه الحكايةُ من وجه آخرَ، خرَّجها ابنُ النجارِ في "تاريخه "
من طريقِ السلَفيِّ، بإسنادٍ له، إلى الحسينِ بنِ محمدِ بنِ عبيدِ العسكريَ.
أخبرنا إسماعيلُ بنُ أحمدَ بنِ عليِّ بنِ أحمدَ بنِ يحيى بنِ النجم - سنةَ ثلاثَ
عشرةَ وثلاثمائة - أنه حضر مع يوسفَ بنِ أبي التياح ببلاد سنجاطَ حينَ
فتحَهَا، وأن سنباطَ حضر مجلسَهُ، وحدّثه عن راهبٍ سماه لي، فأحضرَ
يوسفُ الراهبَ، فحدَّثه الراهبُ بعد الامتناع، أن مَلِكا نفاهُ إلى جزيرةٍ على
البحرِ منفردةٍ، قال: فرأيتُ يومًا طيرًا - فذكرَ شبيهًا بالحكايةِ.
ورُويتْ من وجهٍ آخرَ، من طريقِ أبي عبدِ اللَّهِ محمدِ بن أحمدَ بنِ إبراهيمَ
الرازيِّ، صاحب "السداسياتِ " المشهورةِ، عن عليِّ بنِ بقاءِ بنِ محمدٍ
الوراقِّ، حدثنا أبو محمدٍ عبد الرحمنِ بن عمرَ البزارِ، قال: سمعتُ أبا بكر
محمدَ بنَ أحمدَ بنَ أبي الأصبغ، قال: قَدِم علينا شيخٌ غريبٌ، فذكرَ أنه كان
نصرانيًّا سنينَ، وأنه تعبَّدَ في صومعتِهِ قال: فبينما هو جالسٌ ذاتَ يومٍ، إذ
جاءَ طائرٌ كالنسرِ، أو كالكرْكِيِّ. فذكر شبيهًا بالحكايةِ مختصرًا.
وكلُّ ما وردَ من هذه الآثارِ فإنه محمولٌ على أنَّ الأرواحَ تنتقل من مكانٍ
إلى مكانٍ، ولا يدلُّ على أنَّها تستقرُ في موضع معينٍ من الأرضِ، واللَّهُ
أعلمُ.
ويشهدُ لهذا ما رُوي عن شهرِ بنِ حوشبٍ، قال: كتبَ عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو
إلى أبي بن كعبٍ، يسأله: أين تلْتَقِي أرواحُ أهلِ الجنةِ وأرواحُ أهلِ النارِ.
فقال: أما أرواحُ أهلِ الجنةِ فبالباديةِ، وأما أرواحُ الكفارِ، فبحضرَموت، ذكره ابنُ منْدَه تعلِيقًا.