فدخلَ في شعبٍ، فإذا رجل في رجليه سلسلةٌ مربوطٌ بها، بينه وبينَ الماءِ

شبرٌ، فقال: اسقني رحمكَ اللَهُ، قال: فأخذتُ ملءَ كفي ماءً فرفعَ بالسلسلةِ فذهبَ الماءُ، فلما ذهبَ الماءُ حطّ الرجل: قال: ففعلتُ ذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، أو أربعًا، قال: فلما رأيتُ ذلك منه، قلتُ له: ما لكَ ويحكَ؟

قال: هو ابنُ آدم الذي قتلَ أخاهُ، والله ما قُتِلَتْ نفسٌ ظُلْمًا منذ قتلتُ أخي إلا يعذِّبني اللهُ بها، لأنِّي أوَّل من سنًّ القتلَ.

وروى تمامُ بنُ محمدِ الرازيُّ في كتابِ "الرهبانِ " حدثنا عصمةُ العبادانيُّ.

قال: كنتُ أجول في بعضِ الفلواتِ، إذ بصرتُ دِيرًا وفيه صومعةٌ، وفيها

راهب، فناديتُه، فأشرفَ عليَّ، فقلتُ له: من أينَ تأتيكَ الميرةُ؟

قال: من مسيرة شهرٍ.

قلتُ: حدثني بأعجبِ ما رأيتَ في هذا الموضع. قال: بينا أنا

ذاتَ يومٍ أديرُ ببصري في هذهِ البريةِ القفرِ وأتفكر في عظمةِ اللَّهِ وقدرتِهِ، إذ

رأيتُ طائرًا أبيضَ مثلَ النعامةِ كبيرًا، قد وقعَ على تلك الصخرةِ - وأومئ

بيده إلى صخرةٍ بيضاء فتقيأ رأسًا، ثمَّ رجلاً، ثم ساقًا، فإذا هو كلما تقيأ

عضوًا من تلك الأعضاءِ التمتْ بعضُها إلى بعضِ أسرعَ من البرقِ، فإذا هَمَّ

بالنهوضِ نقره الطائرُ نقرةً قطعه أعضاءً، ثم يرجعُ فيبتلعه، فلم يزل على

ذلك أيامًا، فكثرَ تعجبي منه، وازددتُ يقينًا بعظمة اللَّهِ، وعلمت أن لهذهِ

الأجسادِ حياةً بعد الموتِ، وذكر أنه سأل عن ذلكَ الرجلَ يومًا عن أمر.

فقال: أنا عبدُ الرحمنِ بنُ مُلجم، قاتلُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ كرَّم اللَّه وجهَهُ.

أمرَ اللَّهُ هذا المَلَكَ أن يعذِّبني إلى يومِ القيامة، قال: وقال لي الملكُ: أمرَنِي

رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أن أمضي بهذا الجسدِ إلى جزيرةِ في البحرِ الأسودِ التي يخرجُ

منه هوامُ أهلِ النارِ، فأعذدهُ إلى يومِ القيامةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015