والمشهورُ بين السلفِ والخلفِ أنَّ الفتنةَ إنما جاءتْ من حيثُ ذكرِ عددِ
الملائكةِ الذين اغترَّ الكفارُ بقلَّتِهِم، وظنُوا أنهم يمكنُهُم مدافعتهُم وممانعتُهُم.
ولم يعلمُوا أن كلَّ واحدٍ من الملائكةَ لا يمكنُ البشرُ كلُّهم مقاومتُهُ، ولهذا قال
اللَّه تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) إلى قوله: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) .
قال السُّديُّ: إن رجلاً من قريشٍ يقالُ له أبو الأشدينِ قال: يا معشرَ قريشٍ
لا يهولنَّكم التسعةَ عشرَ أنا أدفعُ عنكُم بمنكبي الأيمنِ عشرةً من الملائكة.
وبمنكبي الأيسر التسعة الباقية ثم تمرونَ إلى الجنةِ - يقولُه مستهزئًا - فقال الَلَّه
عزَّ وجلَّ: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) .
وقال قتادة: ذُكرَ لنا أنَّ أبا جهلٍ حينَ نزلتْ هذه الآيةُ قال: يا معشرَ قريش
أما يستطيعُ كلُّ عشرةٍ منكم أن يأخذوا واحدًا من خزنة النارِ وأنتم الدُّهم.
وصاحبُكم هذا يزعُمُ أنهم تسعة عشر.
وقال قتادةُ: في التوراةِ والإنجيلِ: إنَّ خزنةَ النارِ تسعة عشر.
ورَوى حريثٌ عن الشعبيِّ عن البراءِ في قولِ الله عزَّ وجلَّ: (عَلَيهَا تِسْعَةَ
عَشَرَ) قال: إن رهطَا من يهود سألُوا رجلاً من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن خزنةِ جهنم، فقال: اللَّهُ ورسولُهُ أعلمُ.
فجاء رجل فأخبرَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأنزلَ اللَّه عليه
ساعةَ إذن (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) فأخبر أصحابَهُ، وقال: ادعُهُم، فجاءوا فسألوه عن خزنة جهنم، فأهْوَى بأصابع كفيه مرتين وأمسكَ الإبهامَ في الثانيةِ،