والسبب الثاني: أنه في ذلك العام كان المشركون مشاركين للمسلمين في الحج وفيهم من يطوف البيت عرياناً ولهذا نادى أبو بكر في العام التاسع ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فأراد الله تعالى أن يخلص حجة نبيه للمسلمين خاصة وعلى أكمل ما يكون من الزينة بدون عري ولا تهتك.

والحج اشترط الله تعالى فيه الاستطاعة (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، والاستطاعة شرطٌ في جميع أركان الإسلام لكنه خص الحج لأنه أكبر مشقةً من غيره إذ فيه الأسفار والنفقات والأتعاب البدنية والنفسية لأن السفر قطعة من العذاب أما الصلاة فليس فيها سفر والصيام ليس فيه سفر والزكاة كذلك، ولهذا اشترط الله تعالى الاستطاعة مع أنها شرطٌ في جميع العبادات لكنه ذكرها في الحج لأنه أكبر مشقةً من غيره، ثم إن من نعمة الله أن الحج لا يجب إلا مرة واحدة في العمر بنص الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم)

إذا قال قائل إذا كنا لا نستطيع لم يجب علينا الحج وإن كان مكرراً كل عام؟ نقول لما استطعتم باعتبار المجموع لا باعتبار كل فرد لنفرض أن المسلمين كلهم يستطيعون الوصول إلى مكة لكن هل يستطيعون أن يؤدوا الحج وهم مليار مسلم؟ لا ولهذا لا يقال إن قوله (لما استطعتم) ليس لها فائدة لأن أصل وجوب الحج لا يجب إلا على المستطيع بل نقول لها فائدة لأن الإنسان باعتبار الشخص الواحد قد يكون مستطيعاً لكن باعتبار اجتماع الناس في هذا المكان لا يستطاع فلهذا قال (لما استطعتم) ثم قال (ذروني ما تركتكم) إذن الحج لا يجب إلا مرة فما زاد فهو تطوع إلا بالنذر، فالنذر أمرٌ عارض يلزم الإنسان به نفسه فإذا نذر الحج صار واجباً عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه).

القارئ: وتجب العمرة على من يجب عليه الحج، لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015