القائل: "رأيت الموت غاية كل حي". والقائل الآخر: "ان تحت الرجام نوماً طويلاً".
وأهل الحق الذين عرفوا أنه ليس غاية ولكنه البداية، وما هو بنوم ولكنه يقظة من النوم، (الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا) وعرفوا ان وراء الموت حياة أطول، حياة لا تكاد تنتهي، اما أن يكون فيها النعيم المقيم، وأما أن يكون فيها العذاب الأليم. وهذا هو الصنف الرابع، صنف المهتدين المؤمنين.
الإيمان باليوم الآخر
هذه هي الحياة الحقيقية، من أصيب بقصر النظر لم يرها، ومن ابتلي بضعف العقل لم يصدق الخبر عنها، ومن كان له بصر يرى، وعقل يدرك، رأى أن حياة الانسان مراحل. فلقد كان يوماً منطوياً على نفسه، مكوماً في بطن أمه، يعيش بين أحشائها، ولو كان يفكر يومئذ لظن أن هذه هي الحياة فهو يتمسك بها، لا يخرج منها الا مرغماً. ولو كان ينطق لحسب هذا الخروج موتاً ودفنا في الأعماق مع أنه (ولادة)، وانتقال إلى عالم أرحب، هو هذه الدنيا، والذي نراه نحن موتا، وخروجا من هذه الدنيا، هو في الحقيقة ولادة، وانتقال إلى عالم أرحب، إلى عالم البرزخ، البرزخ بين الدنيا المادية الفانية، والحياة الاخرى الباقية.
الإيمان باليوم الآخر
الانسان مغروز فيه طول الأمل، فهو (غريزة) في نفسه، لذلك كان الموت أقرب شيء في حواسنا منا، وأبعد شيء في أفكارنا عنا. نرى مواكب الأموات تمر بنا كل يوم، ونحس أننا باقون. ونمشي في الجنائز، ونحن نفكر في الدنيا أو نتحدث عنها. ونرى القبور تملأ رحاب الأرض، ولا نفكر اننا سنكون يوما من ساكنيها. استغفر الله، بل تسكنها أجسادنا، وما الاجساد؟ ان الرجل يتوسخ قميصه فيخلعه ويرميه، والطفل يولد فيدع مشيمته ويخرج منها، والرجل يموت فيفارق جسده ويتخلى عنه، وما الجسد الا قميص، يلبس ويخلع، وما يوضع في التراب إلا الجسد.