هذا هو الحق، وما مثل من يصنع هذا ومثل من يجادل في صفات الله، الا كمثل طلاب المدرسة، الذين يقال لهم: انها ستأتي لجنة عليا من الوزارة تتولى هي امتحانكم، فالعاقل منهم يقول: اذا كانت هذه اللجنة ستتولى الامتحان، فينبغي أن أستعد وأدرس، ولا أدع من المنهج المقرر شيئا لا أحفظه، والأحمق يجادل في هذه اللجنة، كيف يكون امتحانها، هل تتولاه كلها أم أفراد منها. وهل عددها (شفع) أم (وتر)، وهل تجيء بالسيارة أم بالطيارة، ولا يزال في هذا وشبهه حتى يأتي يوم الامتحان، وهو لم يعد له شيئا.
إن الله لا يسألنا يوم القيامة عن شيء مما ينى عليه المتكلمون جدالهم، وأقاموا عليه مختلف مذاهبهم، وملأوا به كتبهم. ولو كان ذلك من شروط الايمان، لبحث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلنتركه كله، فإنه أثر من آثار الفلسفة اليونانية القديمة التي دالت دولتها، وبطلت أكثر نظرياتها، ووهت أدلتها، وحل محلها في مسائل (الميتافيزيك) ما وراء المادة، فلسفة جديدة، لا تقل عنها ضلالا وتخبطا في مهامه الظنون، فلنجعل كتاب الله أمامنا، وليكن عليه اعتمادنا، وما كان فيه من ذكر لأمور مغيبة لم يعرض الا إلى جزء منها، آمنا بما جاء فيه، وفوضنا ما خفي عنا إلى من أنزله علينا.