انهما نوعان مختلفان ولكن اللغات البشرية لضيقها عن استيعاب المعاني الروحية، تستعمل اللفظ الواحد، في معان كثيرة. فنحن نقول: "فلان يحب مناظر الجبال"، و "فلان يحب علم التاريخ"، و "فلان يحب الرز باللحم"، "والوالد يحب ولده"، و "المجنون يحب ليلى"، و "المؤمن يحب الله". وكل حب منها، يختلف عن الآخر. ومثل ذلك كلمة: (الجمال)، نستعملها وهي لفظ واحد، للدلالة على ألف معنى. ومن ذلك قولنا: "الله سميع بصير"، و "فلان سميع بصير"، أي: ليس أصم ولا أعمى. وسمع الله وبصره لا يشبه سمع العبد ولا بصره لأن الله لا يماثل شيئاً من المخلوقات ولا يماثله شيء، وجيمع آيات الصفات جاءت من هذا الباب، والله ليس كمثله شيء.
قواعد العقائد
القاعدة السابعة - الدليل النفسي على وجود العالم الآخر
هي ان الانسان يدرك بالحَدْس ان هذا العالم المادي ليس كل شيء، وان وراءه عالماً روحياً مجهولا، يدرك منه لمحات تدل عليه. ذلك ان الانسان يرى اللذات المادية محدودة، اذا هي بلغت غايتها ووصلت إلى حدها، لم تعد اللذة لذة، ولكن صارت (عادة)، فذهب طعمها، وبطل سحرها، وصارت كالنكتة المحفوظة، والحديث المعاد.
يبصر الفقير سيارة الغني تمر به، وعمارة الغني يمر بها، فيحسب أنه يحوز الدنيا ان حاز مثلها، فان صارت له، لم يعد يشعر بالمتعة بها. ويسهر المحب يحلم بوصل الحبيب، يظن ان متع الدنيا كلها بحبه، والاماني كلها في قربه، فاذا تزوج التي يحب، ومر على الزواج سنتان، اضمحلت تلك الأماني، وماتت تلك المتع، ولم يبق له منها الا ذكرها، ويمرض المريض ويتألم، فيتصور اللذة كلها في ذهاب الألم والشفاء من المرض، فاذا عاودته الصحة، ونسي أيام المرض، لم يعد يرى في الصحة شيئا من تلك اللذات، ويتمنى الشاب "الشهرة" ويفرح ان اذاعت الاذاعة اسمه، ونشرت الصحف رسمه، فاذا هو اشتهر وصار اسمه ملء السمع، وشخصه ملء البصر، صارت له الشهرة أمراً معتادا.