{قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحي إليّّ}.
بشر مثلكم في المقومات العامة للصفة البشرية، ولكن ليس في البشر (على التحقيق) من هو مثله في عظمته، ولم يخلق الله من هذا الطراز من أبناء آدم جميعا الا رجلا واحدا اسمه محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى أبيه ابراهيم، وعلى موسى وعيسى وجيمع الأنبياء.
وان من الظلم لمحمد، وان من الظلم للحقيقة، أن نقيسه بواحد من هؤلاء الآلاف من العظماء الذين لمعت اسماؤهم في دياجي التاريخ، من يوم وجد التاريخ، فان من العظماء من كان عظيم العقل ولكنه فقير في العاطفة، وفي البيان، ومن كان بليع القول وثاب الخيال، ولكنه عادي الفكر، ومن برع في الادارة، أو القيادة، ولكن سيرته وأخلاقه كانت أخلاق السوقة الفجار (?). ومحمد صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي جمع العظمة من أطرافها، وما من أحد من هؤلاء، الا كانت له نواح يحرص على سترها وكتمان أمرها، ويخشى أن يطلع الناس على خبرها. نواح تتصل بشهوته، أو ترتبط بأسرته، أو تدل على ضعفه وشذوذه، ومحمد هو وحده الذي كشف حياته للناس جميعا، فكانت كتابا مفتوحا، ليس فيه صفحة مطبقة، ولا سطر مطموس، يقرأ فيه من شاء ما شاء.
وهو وحده الذي اذن لأصحابه أن يذيعوا عنه كل ما يكون منه، ويبلغوه، فرووا كل ما رأوا من أحواله في ساعات الصفاء، وفي ساعات الضعف البشري، وهي ساعات الغضب، والرغبة، والانفعال.
وروى نساؤه كل ما كان بينه وبينهن. هاكم السيدة عائشة تعلن في حياته وباذنه أوضاعه في بيته، وأحواله مع أهله، لأن فعله كله دين وشريعة، ولولا أن في القراء الشبان والنساء، لسردت عليكم طرفا منها، وكتب الحديث والسير والفقه ممتلئة بها.