وهو يستطيع أن يسأل عنها في كل وقت، فيرجئ جوابه حتى ينتهي مما هو فيه. هل يفعل أحد من الناس غير هذا؟ هل في الدنيا من لا يقول بأن عمل الرسول هو الذي يرونه الصواب؟
انه هو الصواب في مقياس المنطق البشري، ولكن لما نزل الوحي بمقياس آخر، تبين ان ميزان الله أقوم من موازين الناس، وان حكم من خلق العقل أصح من حكم العقل، بل هو الحكم القويم، وحكم العقل هو المعوج المنحرف. ومثل هذا يقال في موقفه صلى الله عليه وسلم يوم (أسرى بدر)، أي ان ما وقع منه صلى الله عليه وسلم، انما كان خطأ بالنسبة لحكم الله، ولو لم ينزل الوحي بتخطئته لكان عند أعقل الناس صوابا، فليس في ذلك خطأ (بالمعنى المعروف) وقع من محمد، بوصفه عظيماً من عظماء البشر، بل ان فيه الدليل على ان وحي السماء فوق حكمة الأرض.
3 - واما أن يكون الخطأ في أمر من الأمور الادارية والحربية، وهذا أيضاً ممكن وقوعه لأن الرسول بشر، يفكر في هذه الأمور تفكيرا بشريا، وقد كان الصحابة يسألونه في مثل هذه الأحوال: هل القرار الذي قرره بأمر من الله ووحي، او باجتهاد منه؟ فان خبرهم بأنه ليس لديه فيه أمر من الله، وأنه رأي شخصي، عرضوا عليه أراءهم فأخذ بها أو ردها.
كما وقع في حادثة اختيار المعسكر يوم بدر، اذ قالوا له: "يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر، أم هو الرأي والمكيدة؟ " فلما بين لهم أنه رأيه الشخصي، عرضوا عليه رأيا غيره فأخذ به وعدل عن رأيه. ووقع مثل ذلك في حفر الخندق، وفي حادثة الصلح مع غطفان في تلك المعركة.
4 - أما الأمور الدنيوية الخالصة، فكان الرسول يتكلم فيها برأيه الشخصي، وقد يخطئ في الأمور الصناعية والزراعية والطبيّة التي لا يعرفها