قطع الإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) بريادة الزهري في إسناد الحديث، إذ يعده أول من تبنى إسناده (?) ، وهذا ما جعل أحد الباحثين يعطي للزهري دورا كبيرا في تاريخ الحديث إذ يقول: " ويتضح لنا من بحث سلاسل أسانيد الحديث أن اسم الزهري يحتل معظم المكان الثاني بعد أسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وهذا ما يجعلنا نقرر له دوره الكبير في تأريخ الحديث" (?) .
تمثلت النقلة المنهجية في الإسناد الذي تبناه الزهري في رواياته هي كتابة أسانيد متعددة لرواية واحدة أو التي تكمل بعضها بعضا، إذ أطلق على هذا الإسناد (الإسناد الجمعي) (?) .
ومما يدل على أهمية الإسناد عند الزهري، أنه طلب منه أحد جلسائه ذات يوم أن يأتي بحديث من دون إسناد فقال الزهري له: " أيرقى السطح بلا سلّم؟ " (?) ، وعلق على راو لا يسند حديثه: " قاتلك الله ... ما أجرأك على الله ألا تسند حديثك؟ تحدثنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة" (?) .
بينت لنا هاتان الروايتان مدى تشدد وصرامة الزهري بإسناد الأحاديث والروايات، وفي شحذ همم الرواة والمحدثين بذكر أسانيد رواياتهم؛ الأمر الذي