فبدأت الصحافة تصور هذا التدخل بمقالات سياسية ذكرنا طرفًا منها وكان لها أبعد الأثر في أعضاء مجلس شورى النواب، فنشط أعضاؤه وأخذوا على عاتقهم مهام لم تبحها لائحة المجلس الأولى ولكنهم تشجعوا بعد أن رأوا في الصحف قوة تنصرهم وتدفعهم وتحميهم فقد كانت لهم "في هذه الأيام بمنزلة المصابيح في ظلمات الأحوال"1.
ثم أدت هذه الوزارة بأزماتها مع الموظفين ومشاكلها مع ضباط الجيش2 إلى اتفاق بين الصحافة والخديوي لم يكن مكتوبًا أو منصوصًا عليه ولكنه كان اتفاق مصلحة مشتركة اقتضتها الظروف القاسية على الطرفين، فالحكومة تشجع الصحف على إظهار ظلم بطانة الخديوي ثم تشجع الفلاحين والسراة على كتابة العرائض فيما أصابهم من غبن على يديها3 ويستقبل ريفرز ولسن هذا كله استقبالًا حسنًا ثم لا تخرج الحكومة من ورطه إلا وتقع في أخرى ويتقلب الحال وتبدأ الطبقات شكواها من العهد الجديد الذي ساوى العهد القديم في الظلم وزاد عليه أنه جرح الكرامة المصرية بتعيين وزيرين أجنبيين في بلد مستقل، وكان من أظهر الطبقات ضيقًا وتبرمًا ضباط الجيش الذين أحيلوا إلى المعاش فهؤلاء مثلوا المصريين جميعًا بالظلم الذي وقع عليهم والثورة التي قاموا بها، وأثر عن هذه الحركة تيارات خفية وعلنية بين المشايخ والأعيان وبين الخديو، وقامت الصحافة تمثل هذه الحياة الثائرة الحكومة والأوضاع المعمول بها فتذكر علو همة الضباط الثائرين وعدالة مطالبهم4 ثم تلح في وجوب اتفاق الحكومة والشعب على إنشاء برلمان مسئول يجعل غايته أن تكون مصر للمصريين وحدهم5.