في الأمور المالية1 هو غاية ما تصبو إليه الصحف المصرية، بيد أن الصحافة المصرية كانت قد بلغت من القوة ونضج الرأي واستقامة التفكير ما جعلها تبحث في أعمق من المسائل التي عالجتها، فقد كانت فكرة الشورى تأخذ عليها حياتها وجهادها فبدأت تنشر المقالات في أن المسئولية الوزارية تكون عبثًا على الصورة التي تألفت بمقتضاها الوزارة المختلطة فأمام من تكون هذه الوزارة مسئولة إذا لم يكن هناك مجلس للنواب؟ وهو يكون أهم شيء في مصر، كما أنه أهم شيء في الممالك المتمدنة وإذا كان مجلس النواب لازمًا في بلاد أوربا فهو ألزم لنا نحن المصريين؛ لأن وزارتنا مختلطة من وطنيين وأوربيين والأوربيون لا بد أن يقدموا مصالح بلدهم وأرباب الديون على مصالح الوطنيين، ثم تأخذ الصحيفة في معالجة أمر تكوينه وحقوقه والتزاماته ثم تذكر في مقال آخر الأهمية التي تعلقها على انعقاد هيئة تشريعية تسأل أمامها الوزارة إذ إنه "لا يخفى أن قوة المملكة وغناها لا يقوم إلا بانتظام مجالس شوراها"2.
فإذا دعت الحكومة مجلس شورى النواب إلى الانعقاد استبشرت الصحافة بهذه الخطوة وأملت في أن يضرب المثل على حيويته حتى يحس الناس وجوده، وتحدثت عن أعضائه بأنه قوم "لا تأخذهم في الحق لومة لائم مع العلم بواجباتهم وحقوق الأمة وما بها من الآلام وبودهم لو افتدوا الإصلاح بدمائهم"3.
فإذا تم انعقاد المجلس في 2 يناير 1879 تشجعت الصحف بوجوده وانتقلت إلى معارضة الحكومة في سفور وفي غير تحفظ، فحملت على ريفرز ولسن الذي لبس مسوح الرهبان حتى تمنت البلاد وجوده على ماليتها فلما تحقق له ذلك ألزم الفلاح بدفع الأموال المتأخرة في السنوات الثلاث