ولم تقف المطامع الأوربية في مصر عند فرنسا أو انجلترا بل تجاوزتهما إلى روسيا التي طلبت رهن خراج مصر لتسدد منه تركيا غرامة الحرب بعد هزيمتها، وهنا تبدأ الصحافة الشعبية وظيفتها الجديدة فتشرح قصة الحرب مرة أخرى، وتعلق جريدة الوطن على ذلك لافتة الأنظار إلى مطمع الدول الأوربية في المصريين وخاصة انجلترا، ثم تحمل في شيء من العنف على الحكومة الإنجليزية وعلى The Standard الصحيفة التي تمثلها في ذلك الوقت، وتشير إلى النيات السيئة التي تنويها إنجلترا لمصر، فإن الصحف الإنجليزية دعت خلال الحرب إلى احتلال البلاد حتى تحول القوات البريطانية دون تغلغل الروس إلى قناة السويس1.
كانت الحرب الروسية التركية حجر الزاوية في تطور الصحافة الشعبية إلى صحافة حرة، فقد شبت عن الطوق ورأت شئون مصر تسير في اتجاه فيه غبن شديد على البلاد، وقد أثار وجود الأفغاني في مصر قبيل الحرب التركية الروسية وفي أثنائها تيارًا من التفكير الحر، إذ تتلمذ له الكثيرون من طلاب العلم والمتعطشين إلى الآراء الجديدة، وكان حديثه "ينير العقل ويطهر العقيدة ويذهب بالنفس إلى معالي الأمور ويستلف الفكر إلى النظر في الشئون العامة مما يمس مصلحة البلاد وسكانها، وكان طلاب العلم ينتقلون بما يكتبونه على تلك المعارف إلى بلادهم أيام البطالة، والزائرون يذهبون بما ينالون إلى أحيائهم، فاستيقظت مشاعر وتنبهت عقول وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد خصوصًا القاهرة"2.
ولم يقف حظ الحياة الفكرية من فضل هذا الرجل عند حديثه الحلو ومحاضراته الممتعة لطلاب العلم ورواده من خاصة الناس فإن له على الصحافة الشعبية فضلًا يعادل فضل الحرب الروسية التركية، فهو الذي أوحى ليعقوب بن صنوع بإصدار مجلة "أبو نظارة" أقدم الصحف الهزلية المصورة في