هاله أن تقرأ هذه الطبقة صحيفة الحكومة من أمثال وكيل الخراج وموسى الموسيقي، وهو اتجاه يجري في برج نظامه العام، ويتفق تمامًا مع تفكيره وترفعه عن عامة الناس، فبينما كان جده يفرضها فرضًا ويخلق لها القراء خلقًا، ويأبى هو أن تنحدر إلى أمثال هؤلاء من الأمية والسفلة، وكانت الصحيفة في أعدادها القليلة التي صدرت في عهده تعبر عن قصد الباشا تمام التعبير، فلم نعد نقرأ فيها مقالًا ذا قيمة أو خبرًا في طلاوة العبارة أو جدة المعنى.

ولم يكن حظ الوقائع والصحف الرسمية القديمة في عهد سعيد بأحسن من حظها في عهد سلفه وإن بدأ سياسته فيها بدء حسنًا فقد ذكر بعد توليه الحكم بثمانية أيام في أمر له إلى مدير المدارس أنه "لما كان جودت أفندي محرر الوقائع من أهل العلم وأصحاب الاجتهاد كان الواجب المتبع لدينا في ترقية الموظفين أن نرقي أمثاله فاعلموا أننا منحناه رتبة القائمقام وقيدوا له مرتب القائمقامية وجرايتها ابتداء من تاريخ أمرنا وأصرفوهما له كلما استحقهما طبق الأصول"1 وهذا الأمر يعني أن والي مصر الجديد سيعني على القليل بالصحيفة الرسمية، ولكنه على عادته المعروفة من التقلب وقف عن تحقيق هذه النهضة الصحفية المرجوة في عهده، وتاريخه حافل بهذا التقلب الملحوظ، فبينما يمنع الفلاحين حق ملكية الأراضي الرزاعية ويتجاوز عن الضرائب المتأخرة عليهم ويلغي نظام الاحتكار2 نجده يمعن فيما صنعه سلفه من تغليق المدارس وينصرف عن الجيش ويحوله إلى عمال لشق قناة السويس3 بعد أن اهتم به في أول الأمر، وكان الأمر عظيمًا في أن تجني مصر في عهده كثيرًا من نعمة الهدوء والاستقرار، ولكنه لا يستقر على اتجاه فلا عجب إذن إن لقيت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015