والإلغاء بالطريق الإداري إذا كان ضروريًّا لوقاية النظام الاجتماعي، فكأن المشرع سلب باليسار ما أعطاه للصحافة باليمين.
وقد حاول أحمد ذو الفقار باشا وزير الحقانية وقتئذ أن يبرر الشطر الثاني من هذه المادة وهو يحدثنا عن مذكراته الخاصة بالدستور ففسر حماية النظام الاجتماعي بالبلشفية مثلًا، ونرى أنه كان في قانون العقوبات غنية عن هذا التذييل الذي زعزع المبادئ التي اشتمل عليها النص ورد الصحافة مرة أخرى إلى عهد السيطرة الفردية مما لا يجمل بعهد يجب أن يقف فيه الدستور حائلًا دون كل بطش أو إرهاب، والواقع أن هذا التذييل لم يكن من صنع لجنة الثلاثين التي وضعت نصوص الدستور، فقد جاء نص المادة الخامسة عشر كما صاغته هذه اللجنة خلوًا من كل قيد أو استثناء لمبدأ عدم جواز تعطيل أو وقف أو إلغاء الصحف بل تقرر هذا المبدأ للصحف بصفة مطلقة وغير معلق على شرط، ولكن أبت التعديلات التي أدخلت على مشروع لجنة الثلاثين إلا أن تتناول فيما تناولته هذا النص فاقتحمته بهذا التعقيب الذي نسخ مفعول النص ولواه عن قصده.
وقد يكون من واجب الحكومة المصرية تدبير الحماية الكافية للمباعدة بين المجتمع وبين الاتجاهات البلشفية أو غيرها، بيد أن وسيلة ذلك لا تكون في تمكين الحاكم من رقاب الصحف وإلا كان ذلك قتلًا لحرية الرأي وخنقًا لنشاط الفكر والقول، ولا ينبغي أن ننسى أن المشرع قد كفل للحكومة حقوقها جميعًا في قانون العقوبات بما يحمي النظام العام والكيان الاجتماعي، ويدرأ عن الدولة أخطار المذاهب التي تخافها الحكومة المصرية، وهنا يكون المهيمن على تطبيق الجزاء ضمير القاضي وهو على أية حال أمنع على الهوى من ضمير الحاكم، ومما تجدر ملاحظته أن جميع الدساتير الأوربية الحرة التي أخذ عنها الدستور المصري قد تجردت من هذا الاستثناء الذي تعلق به مشرعنا، ففي أوربا الديمقراطية تكتب الصحف ما تريد وتنشره ما يروقها من المبادئ والدعايات، ولا تستطيع يد الحكومة أن تبطش بها إلا إذا ساقتها