ولعل أعظم ما بهر المؤرخين وشغلهم في تاريخ محمد علي النظم العسكرية التي أدخلها في مصر وكون جيشه بمقتضاها، فقد كتب المؤرخون عن هذه النظم مجلدات ضخمة أحدثها ما نشره الجنرال فيجان العسكري الفرنسي المعروف1، ويتبين لنا قدر هذا الجيش إذا عالجنا خدماته للوالين فيه قضى على المماليك وزعمائهم، وطرد الإنجليز في سنة 1807، وفتح بلاد العرب وأراح السلطان من مشاكل الجزيرة العربية، كما استعان به في فتح السودان وكريت واليونان والشام أخيرًا، وهو القوة التي ارتكز عليها في سياسته الخارجية إزاء الباب العالي ودول أوربا، فلا غرو إن رأى المؤرخون أن العسكرية المصرية في عهده فرضت النظام على شعبه وخلقت حسًّا وطنيًّا لم يكن معروفًا من قبل ووضعت أساس الاستقلال المصري2 وأنها في رأي آخر مكنته من "أن يلعب في مصر برغم موارده المحدودة دور أمة قوية السلطان"3.
هذا رأي بعض المؤرخين في النظام العسكري وآثاره في مصر، غير أن مؤرخ الصحافة الرسمية لا يعنيه من هذا شيء بقدر ما يعنيه الأثر الذي خلفه الجيش المصري في الصحافة المصرية، وقد قامت الوقائع بنشر أخبار هذا الجيش4 وفسحت صدرها لذكر تقدمه وانتصاراته.
ولما كان جرنال الخديو لم يعد يحتمل نشاط الدولة بعد اتساعها وتنظيمها الجديد كذلك لم تستطع الوقائع المصرية أن تنفرد وحدها بتسجيل التفاصيل التي تتصل بالجيش وهو يكتب صحيفته الرائعة في حروب الشام، وهذه