ولما كانت الحرب العظمى الثانية قد أعلنت فقد فرضت الأحكام العرفية وتمكن الملك نتيجة لذلك من العبث بالدستور على نحو ليس له نظير أو مثيل، واستطاعت حكوماته المتتالية أن تفرض الرأي الواحد وتقضي على الحريات فالصحف تخضع للرقابة والرقيب والاجتماعات العامة محظورة، والمعتقلات، للأحرار فتحت أبوابها على مصاريعها، والعبث بقوت الشعب فرصة للإثراء وبيع الرتب والألقاب تجارة رابحة.

واندلعت الحرب العظمى الثانية وعلى رأس الحكومة علي ماهر تؤيده أحزاب الأقلية، ويندفع الرجل في مؤازرة الحلفاء، فيلبي طلبات القيادة الإنجليزية، بل يتحسس رغباتها فيؤديها طواعية بلا سؤال، فإذا بدأت ألمانيا في انتصاراتها الخرافية على الإنجليز وحلفائهم، قلب لهم ظهر المجن، فكان ألمانيا أكثر من الألمان، كما انحاز الملك إلى إيطاليا حليفة برلين، فكان إيطاليا أكثر من الطليان.

في الوقت الذي كان أعداء الدستور والحريات لا شاغل لهم إلا التكالب على كراسي الحكم وانتهاز فرصة الأحكام العرفية لكسب الحرام، كان النحاس يطالب الحكومة الإنجليزية في مذكرة قدمها لها بالجلاء التام عن مصر والسودان عقب الحرب، وحق مصر في الاشتراك في مفاوضات الصلح لترعى بحضورها مصالح بلاده، ويحتج في الوقت نفسه على إعلان الأحكام العرفية في مصر في الوقت الذي تخوض إنجلترا الحرب دون إعلان هذه الأحكام في بلادها.

وخطب النحاس في الناس متحديًّا الأحكام العرفية1 حاملًا على الإنجليز "الذين يحاربون عن الديمقراطية في بلادهم ويدأبون على العمل ضد الديمقراطية في مصر، ولا ريب أنه إذا لم تكن الديمقراطية واحدة في كل البلاد التي تناصرها فليست إذن هي فكرة يدافع عنها ومبدأ يناضل من أجله بل تكون هي والديكتاتورية سواء .. ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015