في نشر آثاره وتعاليمه، وقد أوحت بذلك أيضًا الفكرة الدينية، لذلك بدأت المطبعة في الشرق أول ما بدأ تنشر كتبًا دينية باللغة العبرية ثم كتبًا أخرى باللغة العربية، وتخلصت أخيرًا من الاتجاه الديني، ومضت تذيع المؤلفات والتراجم العلمية والأدبية.
ولقد سبقت الأستانة جميع بلاد الشرق في معرفة الطباعة، وإلى اليهود يعود الفضل في نشر هذه الصناعة، فقد أنشأ أحدهم مطبعة عبرية في عاصمة الخلافة لتنشر كتبهم وتعاليمهم الدينية ولتغنيهم عن المخطوطات التي كانت تكلفهم أجرًا كبيرًا وجهدًا عسيرًا، وكان هذا اليهودي ينشر بين آن وآخر كتبًا في التاريخ والعلوم بجانب كتب الدين اليهودي وتعاليمه، وقد بدأ عمله هذا في أواخر القرن الخامس عشر1 ولم تعرف الأستانة الحروف العربية إلا في أواخر القرن الثامن عشر أي بعد أن قطعت المطبعة العبرية من وجودها في الشرق أكثر من قرنين من الزمان، وقد نشط اليهود في بلدان الشرق الأخرى فأنشئوا المطابع هنا وهناك.
أخذت الطباعة تنتشر في بلاد الشرق الأدنى، وقد بدأت كما رأينا في الأستانة وحروفها عبرية، غير أن هذا الشرق ولغته الفضلى اللغة العربية، عني عناية خاصة بحروفها، فأنشأ أحد البطارقة مطبعة عربية في حلب في أوائل القرن الثامن عشر حوالي سنة 1702 وقيل: إن حروفها في بخارست وهي أول مطبعة عربية في الشرق، ثم أنشئت في الأستانة المطبعة العربية الثانية وقد لقي إنشاؤها عنتًا شديدًا من الحكومة ورجال الدين فقد أفتى العلماء بأن المطبعة رجس من عمل الشيطان، إلى أن قيض الله لها بعض المصلحين، واستطاع الصدر الأعظم بمعاضدة بعض هؤلاء العلماء أن يستصدر من السلطان فرمانًا عاليًا موقعًا عليه بالخط الشريف في سنة 1712 بالإذن لسعيد أفندي "وقد صار صدرًا أعظم فيما بعد" بإنشاء المطبعة وطبع جميع أنواع الكتب.