اجتهد فأخطأ فله أجر"1، فناهيك بخطأ يُؤجر عليه فاعلُه، ولكن هذا إنَّما هو للمجتهد نفسه إذا أخطأ، ولكن لا يجوز لغيره أن يتبعه في خطئه، ولا يُعذر كعذره، ولا يُؤجر كأجره، بل واجبٌ على مَن عداه من المكلَّفين أن يترك الاقتداء به في الخطأ ويرجع إلى الحقِّ الذي دَلَّ عليه الكتاب والسنة.
وإذا وقع الرَّدُّ لِما اختلف فيه أهل العلم إلى الكتاب والسنة كان من معه دليل الكتاب والسنة هو الذي أصاب الحق ووافقه، وإن كان واحداً، والذي لم يكن معه دليلُ الكتاب والسنة هو الذي لم يصب الحق، بل أخطأه، وإن كان عدداً كثيراً، فليس لعالِم ولا لمتعلِّم ولا لمن يفهم ـ وإن كان مقصراً ـ أن يقول: إنَّ الحقَّ بيد مَن يقتدى به من العلماء، إن كان دليل الكتاب والسنة بيد غيره، فإنَّ ذلك جهل عظيم، وتعصُّب ذميم، وخروج من دائرة الإنصاف بالمرة؛ لأنَّ الحقَّ لا يُعرف بالرجال، بل الرجال يُعرفون بالحق، وليس أحد من العلماء المجتهدين والأئمة المحققين بمعصوم، ومَن لَم يكن معصوماً فإنَّه يجوز عليه الخطأ كما يجوز عليه الصواب، فيصيب تارة ويخطئ أخرى، ولا يتبيَّن صوابُه من خطئه إلاَّ بالرجوع إلى دليل الكتاب والسنة، فإن وافقهما فهو مصيب، وإن خالفهما فهو مخطئ، ولا خلاف في هذه الجملة بين جميع المسلمين أولهم وآخرهم، سابقهم ولاحقهم، كبيرهم وصغيرهم، وهذا يعرفه كلُّ مَن له أدنى حظ من العلم، وأحقر نصيب من العرفان، ومَن لَم يفهم هذا ويعترف به فليتَّهم نفسه، ويعلم أنه قد جَنى على نفسه بالخوض فيما ليس من شأنه، والدخول فيما لا تبلغ إليه قدرتُه، ولا ينفذ فيه فهمُه،