بعض ما يستدلُّون عليه بالإجماع1: إنَّه وقع ولَم يُنكر، فكان إجماعاً.
ووجهُ اختلالِه أنَّ قولَهم: (ولَم يُنكَر) رجمٌ بالغيب؛ فإنَّه قد يكون أنكرته قلوبٌ كثيرة تعذَّر عليها الإنكارُ باليد واللسان، وأنت تشاهد في زمانك أنَّه كم مِن أمر يَقع لا تنكره بلسانك ولا بيدك، وأنت مُنكرٌ له بقلبك، ويقول الجاهلُ إذا رآك تشاهده: سكت فلانٌ عن الإنكار، يقوله إما لائماً أو مُتَأسِّياً بسكوته، فالسكوتُ لا يستدلُّ به عارف، وكذا يُعلم اختلالُ قولهم في الاستدلال: (فعلَ فلان كذا، وسكت الباقون فكان إجماعاً) ، مُختلاًّ من جهتين:
الأولى: دعوى أنَّ سكوتَ الباقين تقريرٌ لفعل فلان؛ لِمَا عرفتَ مِن عدم دلالة السكوت على التقرير.
الثانية: قولهم: (فكان إجماعاً) ؛ فإنَّ الإجماعَ اتفاقُ مجتهدي (2) أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، والساكتُ لا يُنسب إليه وِفاق ولا خلاف، حتَّى يُعْرِبَ عنه لسانُه.
قال بعض الملوك ـ وقد أثنى الحاضرون على شخص من عمَّاله وفيهم رجل ساكت ـ ما لَك لا تقول كما يقولون؟ فقال: إن تكلَّمتُ خالفتهم.
فما كلُّ سكوت رضًى؛ فإنَّ هذه منكراتٌ أسَّسَها مَن بيده السيفُ والسِّنان، ودماءُ العباد وأموالهم تحت لسانه وقلمه، وأعراضهم تحت قوله وكلمه، فكيف يَقوى فردٌ من الأفراد على دفعه عمَّا أراد؟