ثمَّ لو فُرض أنَّهم عَلِمُوا بالمنكر وما أنكروه، بل سكتوا عن إنكاره، لَمَا دلَّ سكوتُهم على جوازه؛ فإنَّه قد عُلِم من قواعد الشريعة أنَّ وظائفَ الإنكار ثلاثةٌ:
أوَّلها: الإنكارُ باليد، وذلك بتغيير المنكر وإزالته.
ثانيها: الإنكارُ باللسان مع عدم استطاعة التغيير باليد.
ثالثها: الإنكارُ بالقلب عند عدم استطاعة التغيير باليد واللسان.
فإن انتفى أحدُها لم ينتفِ الآخر، ومثاله: مُرورُ فرد من أفراد علماء الدِّين بأحد المكَّاسين وهو يأخذ أموالَ المظلومين، فهذا الفردُ مِن علماء الدِّين لا يستطيع التغييرَ على هذا الذي يأخذ أموالَ المساكين باليد ولا باللسان؛ لأنَّه إنَّما يكون سخريةً لأهل العصيان، فانتفى شرطُ الإنكار بالوظيفتين، ولَم يبق إلاَّ الإنكارُ بالقلب الذي هو أضعفُ الإيمان، فيجب على مَن رأى ذلك العالِمَ ساكتاً عن الإنكار مع مشاهدة ما يأخذه ذلك الجبَّار، أن يعتقدَ أنَّه تعذَّر عليه الإنكارُ باليد واللسان، وأنَّه قد أنكر بقلبه.
فإنَّ حُسنَ الظنِّ بالمسلمين أهلِ الدِّين واجبٌ، والتأويل لهم ما أمْكَنَ ضَربَةُ لازب، فالداخلون إلى الحَرم الشريف، والمشاهدون لتلك الأبنية الشيطانية التي فرَّقت شملَ1 الدِّين، وشتَّتَت صلوات المسلمين معذورون عن الإنكار إلاَّ بالقلب، كالمارِّين على المكَّاسين وعلى القبوريِّين.
ومِن هنا يُعلم اختلال ما استمرَّ عند أئمَّة الاستدلال مِن قولهم في