فإن قلتَ: يَلزمُ مِن هذا أنَّ الأمَّة قد اجتمعت على ضلالة، حيث سكتت عن إنكارِها لأعظم جهالة.
قلتُ: حقيقةُ الإجماع اتفاقُ مجتهدي أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر بعد عصره، وفقهاءُ المذاهب الأربعة يُحيلون الاجتهاد من بعد الأربعة1، وإن كان هذا قولاً باطلاً وكلاماً لا يقوله إلاَّ مَن كان للحقائق جاهلاً، فعلى زعمهم لا إجماع أبداً مِن بعد الأئمة الأربعة، فلا يرد السؤال؛ فإنَّ هذا الابتداعَ والفتنةَ بالقبور لم يكن على عهد أئمَّة المذاهب الأربعة، وعلى ما نحققه فالإجماع وقوعه محال.
فإنَّ الأمَّة المحمدية قد ملأت الآفاق، وصارت في كلِّ أرض وتحت كلِّ نجم، فعلماؤُها المحقِّقون لا ينحصرون، ولا يَتِمُّ لأحد معرفة أحوالهم، فمَن ادَّعى الإجماعَ بعد انتشار الدِّين وكثرة علماء المسلمين فإنَّها دعوى كاذبة، كما قاله أئمَّة التحقيق2.