ومَن فعل شيئاً مِن ذلك لمخلوق حيٍّ أو ميت أو جماد أو غيره، فقد أشرك في العبادة، وصار مَن تُفعل له هذه الأمور إلَهاً لعابديه، سواءٌ كان مَلَكاً أو نبيًّا أو وليًّا أو شجراً أو قبراً أو جنيًّا أو حيًّا أو ميتاً، وصار العابدُ بهذه العبادة أو بأيِّ نوع منها عابداً لذلك المخلوق مشركاً بالله، وإن أقَرَّ بالله وعَبَدَه، فإنَّ إقرارَ المشركين بالله وتقرُّبَهم إليه لَم يُخرجهم عن الشركِ، وعن وجوب سَفك دمائِهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم غنيمة، فالله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، لا يقبل عملاً شورك فيه غيرُه، ولا يؤمن به مَن عَبَدَ معه غيرَه.

فصل

إذا تقرَّر عندك أنَّ المشركين لَم ينفعهم الإقرارُ بالله مع إشراكهم في العبادة، ولا يغني عنهم مِن الله شيئاً، وأنَّ عبادتَهم هي اعتقادُهم فيهم أنَّهم يَضرُّون وينفعون، وأنَّهم يقرِّبُونهم إلى الله زلفى، وأنَّهم يَشفعون لهم عند الله تعالى، فنَحَروا لهم النَّحائِر، وطافُوا بهم ونذروا النذور عليهم، وقاموا متذلِّلين متواضعين في خدمتهم وسجدوا لهم، ومع هذا كلِّه فهم مقرُّون لله بالربوبية وأنَّه الخالقُ، ولكنَّهم لَمَّا أشركوا في عبادته، جعلهم مشركين ولَم يَعْتَد بإقرارهم هذا؛ لأنَّه نافاه فعلُهم، فلم ينفعهم الإقرارُ بتوحيد الربوبية، فمِن شأن مَن أقرَّ لله تعالى بتوحيد الربوبية أن يُفردَه بتوحيد العبادة، فإذا لَم يفعل ذلك فالإقرارُ باطل.

وقد عرفوا ذلك وهم في طبقات النار فقالوا: [26: 97، 98] {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، مع أنَّهم لم يُسَوُّوهم به من كلِّ وجه، ولا جعلوهم خالقين ولا رازقين، لكنَّهم علموا وهم في قَعْرِ جهنَّم أنَّ خلطَهم الإقرار بذرَّة من ذرَّات الإشراك في توحيد العبادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015