وحده، بأن يُفردوه بالعبادة كما أفردوه بالربوبية، بربوبيته للسَّموات والأرض، وأن يفردوه بمعنى ومُؤدى كلمة (لا إله إلاَّ الله) ، معتقدين لمعناها، عاملين بمقتضاها، وأن لا يدعوا مع الله أحداً، وقال تعالى: [13: 14] {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ}
وقال تعالى: [5: 22] {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، أي: من شرط الصدق في الإيمان بالله أن لا يتوكلوا إلاَّ عليه، وأن يُفردوه بالتوكُّلِ كما يَجب أن يُفردوه بالدعاء والاستغفار، وأمر الله عبادَه أن يقولوا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ولا يَصْدُق قائلُ هذا إلاَّ إذا أفرد العبادة لله تعالى، وإلاَّ كان كاذباً مَنهيًّا عن أن يقولَ هذه الكلمة1؛ إذ معناها: نخصُّك بالعبادة ونفردُك بها دون كلِّ أحد، وهو معنى قوله: [29: 56] {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} ، [2: 41] {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} ؛ لما2 عُرف مِن علم البيان أنَّ تقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر، أي: لا تعبدوا إلاَّ الله ولا تعبدوا غيرَه، ولا تتَّقوا إلاَّ الله ولا تتقوا3 غيرَه، كما في (الكشاف) .
فإفرادُ الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتِمُّ إلاَّ بأن يكونَ الدعاءُ كلُّه له، والنداءُ في الشدائد والرخاء لا يكون إلاَّ لله وحده، والاستغاثة والاستعانةُ بالله وحده، واللّجوء إلى الله والنذر والنحر له تعالى، وجميع أنواع العبادات من الخضوع والقيام تذلُّلاً لله تعالى، والركوع والسجود والطواف والتجرد عن الثياب والحلق والتقصير كلُّه لا يكون إلاَّ لله عز وجل.