وما هو بمسلم، ولكنه تمسْلَم، "مصطفى كمال أتاتورك" وهو من أصل يهودي، من يهود "الدونمة" الذين هاجروا من المغرب إلى البلقان بأمر من قيادتهم السرية، وتمسلموا "ادعوا الإسلام" قبل تلك الأحداث كلها بمائة وخمسين عاماً، واستوطنوا بالقرب من دار الخلافة ليقيموا بدورهم حين يجيء الوقت المحدد لهذا الدور، وجاء "كمال أتاتورك" المتسمي بمصطفى ليزيل الخلافة الإسلامية وليمهد لإقامة الدولة اليهودية في حين غفلة من المسلمين، فما كان أحد في ذلك التاريخ يوم أزيلت الخلافة الإسلامية يتصور على الإطلاق أن الأحداث ستجري في طريق إقامة الدولة اليهودية في الأرض الإسلامية إنما كان الأشقياء، كان الشريرون يعبثون، يعيثون في الأرض فساداً وأول فسادهم إزالة الخلافة الإسلامية، وتمزيق العالم الإسلامي، أولا إلى كتلتين كبيرتين: الكتلة العربية، الكتلة التركية، وإثارة البغضاء والحقد والحسد بين الكتلتين، يدعون الترك إلى تتريك الدولة، أي إلى اضطهاد العرب، ثم يذهبون إلى العرب فيلعبون بقلوبهم، ويلعبون بعقولهم، يجئ "لورانس" ويدعي أنه صديق العرب، وأنه ينصحهم نصيحة خالصة، وما كانت نصيحته إلاَّ إثارتهم ضد الدولة التركية، فيتمزق العالم الإسلامي تمهيداً لتمزيق أكثر، لتفتيته إلى دويلات لا تستطيع أن تحمي نفسها، ولا تستطيع أن تدفع عن الإسلام شيئًا.
ومُزِّق العالم الإسلامي مزقاً متنافرة متناحرة متنافسة متباغضة على غير ما أمرهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وتكون جيش من المسلمين العرب يقاتل الدولة الإسلامية تحت راية "أللنبي" البريطاني وحين يدخل "أللنبي" بيت المقدس عام 1917م يقول: "الآن انتهت الحروب الصليبية ... " وما انتهت في الواقع، ولكنها كلمة تعبر عن الحقد الصليبي الذي يمتلئ به قلب ذلك الرجل، ولكن من أتباعه؟ من المقاتلون معه؟ مسلمون، عرب، يقاتلون مسلمين.
ويقول لورد "أللنبي" في مذكراته: إنه لولا المعونة الضخمة التي قدمها الجيش العربي ما استطعنا أن نتغلب على الدولة العثمانية.
يمزق العالم الإسلامي مزقاً، والعالم العربي بصفة خاصة، لتزرع فيه تلك الدولة الدخيلة وما كان في الإمكان أن تزرع وهناك إسلام في الأرض يحكمها، ما كان في الإمكان لشذاذ الآفاق أن يحتلوا الأرض المقدسة لو أن الناس كانوا يعون "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وإن هذه الكلمة كانت تقتضيهم ألاَّ يقبلوا أن تدنس أقدام الكفار شبراً واحداً من الأرض الإسلامية، ولكن الأرض الإسلامية من المحيط إلى المحيط فيما عدا رقعاً قليلة منها أجزاء من الجزيرة العربية، وجسم الدولة التركية -أرض تركيا- ما عدا ذلك كله دخل في نطاق