الاستعمار الصليبي، الذي تدخل الصهيونية تحت جناح الصليبية فيه لتعيث فساداً في الأرض ولتمكن وتهيء لقيام الدولة اليهودية.
وبعد خمسين عاماً من هذا التشتيت، من هذا التمزيق، في موعدها الذي قدره الله، والذي قال به "هرتزل".. وما كان ينطق بالغيب، ولكنه يخطط والمسلمون غافلون، يدبر، والمسلمون مشغولون بخلافاتهم بعضهم مع بعض، بأحقادهم بعضهم على بعض، بتنافسهم على لعاعات من الحياة الدنيا، ينسون بها الله وينسون بها الآخرة، ينسون بها مقتضيات "لا إله إلاَّ الله" وإن كانوا يقولون بألسنتهم صباح مساء.
ومنذ قامت تلك الدولة ماذا حدث في العالم العربي بصفة خاصة والعالم الإسلامي بصفة عامة؟
لقد كان اليهود وحلفاؤهم الصليبيون قد دبروا وخططوا تخطيطاً دقيقاً ألا تقوم قوة على الإطلاق تواجه تلك الدولة، فأزالوا القوة السياسية والقوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والقوة الروحية للمنطقة كلها، فأما القوة السياسية فماذا تملك تلك الدويلات التي تحتضنها بريطانيا وفرنسا؟. ماذا تملك أن تصد عن نفسها وأن تمنع عدوان العادين؟ وأما القوة العسكرية، فقد فتت جيوش العرب، ووضعت تحت وصاية حليفتي اليهود بريطانيا وفرنسا، فصارت أسلحة العرب من بريطانيا وفرنسا، وذخيرة السلاح من بريطانيا وفرنسا، فإذا كفت هاتان الدولتان أيديهما من الذخيرة فقط تتوقف الجيوش العربية كلها في ساعة، أما الاقتصاد فقد سيَّره الصليبيون والصهيونيون في خطة معينة: إضعاف العالم العربي، واستنزاف ثرواته، وتركه مريضا فقيراً جاهلاً لا يملك أمر لنفسه.
أما قوة الشباب، وهي قوة هائلة تُخشى، فقد سلطوا عليها السينما والإذاعة ولم يكن التلفزيون قد اخترع بعد، وسلطوا عليها المراقص، والحانات والشواطئ العارية، سلطوا عليه الصحافة.. العارية بصورها العارية بأخبارها، العارية بقصصها.. العارية بأفكارها.. التي تبعد الشباب عن الله، تبعده عن الدين، تبعده عن الجدية في أي أمر من الأمور.
وحسب المخططون أنهم قد خططوا تخطيطاً كما يقول المثل العامي "لا يخر الماء منه" "محكم"، وهو في الحقيقة محكم، ولكنهم نسوا أن هناك مسلمون ما يزالون يقولون "لا إله إلا الله" لا بأفواههم فقط.. إنما يقولونها بقلوبهم، بأرواحهم، بمنهج حياتهم، يقولونها يقصدونها حقاً، ويعيشون في ظلها، ويعيشون على نحو مما عاش المسلمون الأوائل الذين قال فيهم أبو بكر رضي الله عنه: "إنهم قوم أحرص على الموت من حرص أعدائهم على الحياة".