وبعث الله لهذه الأمة قائدها الذي يقودها باسم الإسلام وتحت راية الإسلام، في تلك المعركة الشهيرة الحاسمة التي دخلها قطز رافعاً هذه الصيحة رافعاً هذه الراية "وا إسلاماه" وتغير مجرى التاريخ، ففي يوم واحد، في معركة واحدة، استغرقت من الصباح الباكر إلى ما بعد العصر، تغير ميزان القوى، وارتد التتار في "عين جالوت" لأول مرة منذ أن خرجوا من ديارهم، هزموا وتقهقروا، وكان ذلك فتحاً تاريخياً لأن التتار بعد ذلك بدأوا يدخلون في الإسلام.
ومضت جولة جديدة للمسلمين، اعتز فيها الإسلام ولكنه اعتز على دَخلٍ فيه، تلك هي الفترة التي قامت فيها الدولة العثمانية، وليس هنا مجال التفصيل في أمر هذه الدولة التي كثر الكلام ضدها في كتب التاريخ التي بين أيدينا، حتى قام قائل وهو مسلم أو يدعي أنه مسلم.. يقول: "الاستعمار التركي" وما ينبغي لمسلم أن يتفوه بمثل هذه اللفظة، إن المسلم لا يكون مستعمر في أرض الإسلام، قد يكون ظالماً.. نعم، قد يكون فاسقاً.. نعم، قد يحدث منه ما يحدث مخالفةً ومعصيةً، أما أن يكون مستعمراً وهو يحكّم شريعة الله، إنها كلمة دخيلة، أدخلها أعدائنا إلى قلوبنا وأفواهنا لنكره الحكم الإسلامي.
ينبغي أن نحترس ونحن نتحدث عن هذه الدولة، لقد كانت فيها مظالم كثيرة.. نعم، ولقد كان فيها انحرافات كثيرة من دين الله.. نعم، ولكن يكفي هذه الدولة عند الله أنها حمت العالم الإسلامي أربعة قورن متوالية من الغزو الصليبي والصهيوني، ويكفي هذه الدولة عند الله أن السلطان "عبد الحميد" أبى أن يقيم الوطن اليهودي في الأرض الإسلامية، ودفع حياته أو ملكه ثمناً لذلك، وله عند الله عاقبة.
ولكن علينا أن نقف وقفة عند هذه الأحداث: "عبد الحميد واليهود"، لأن حاضرنا الذي نعيشه مرتبط أشد الارتباط بهذه الأحداث، لقد ذهب اليهود بقيادة قائد الصهيونية أو مبتدعها "هرتزل" ذهبوا إلى السلطان عبد الحميد يعرضون عليه عروضاً مغرية لو أنه كان يريد الحياة الدنيا، وكان يريد لنفسه المجد والسلطان، فلم يكن ليطلب لنفسه أكثر مما عرضه عليه "هرتزل" له ولدولته، كانت "تركيا" في ذلك الوقت أو "الدولة العثمانية" تدعى "بالرجل المريض" لكثرة المشكلات التي كانت تحيط بها، وتوقعاً لسقوطها ميتة بعد طول المرض، كانت في أزمة اقتصادية حادة، وكانت فيها مشاكل سياسية كثيرة، وكانت الدولة الصليبية لا تكف عن استثارة الأقليات، المسيحية واليهودية لتشغل بال السلطان لكي لا يهدأ ولا يستقر، كانت روسيا تستثير المسيحيين الأرثوذكس لأنها هي أرثوذكسية المذهب، وكانت بريطانيا تتكلف بإثارة الأقليات الكاثوليكية والبروستانتية مع أنها هي بروستانتية، وكانت تلك الأقليات، ومن أبرزها الأقلية الأرمنية لا تكف عن إثارة المشاكل