تعالَى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} وأمَّا الأفْراحُ ففي مِثْلِ قوْلِه تعالَى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وأمَّا الآلاَمُ ففي مِثْلِ قولِه تعالَى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وأمَّا الغُمومُ ففي مِثْلِ قولِه تعالَى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا}.

فصارَتِ المصالِحُ ضرْبَينِ، أحدُهمَا: حقِيقيٌّ، وهو اللَّذَّاتُ والأفْراحُ.

والثَّاني: مَجازِيٌّ، وهو أسْبابُها، وصارتِ المَفسَدةُ كذلكَ.

ورُبَّما تكونُ أسبابُ المصالحِ مَفاسِدَ فيُؤمَرُ بها أو تُباحُ لا لِكَونِها مَفاسِدَ بَلْ لِكَونِها مُؤَدِّيَةً إلى المَصالِحِ، وذلكَ كقَطْعِ الأيْدي المُتآكِلةِ، فإنَّ القَطْعَ مَفْسدَةٌ لكِنْ لمَّا كانَ إبْقاؤُها يُؤدِّي إلى ضرَرٍ أصْبحَ القَطْعُ سَبباً لِمَصلَحةٍ هي: حِفْظُ النُّفُوسِ، وكذلكَ الجِهادُ؛ فإنَّ فيه مُخاطرَةً بالنَّفْسِ، فإنَّ هلاكَ النَّفسِ مَفسدَةٌ، لكِنْ شُرِعَ معَ هذه المُخاطَرَةِ لِمصلحةٍ هي: المُحافظةُ على بَقاءِ كِيانِ الأُمَّةِ وإعْلاءِ كَلِمةِ اللَّهِ، وكذلك العقوباتُ مِن قَتْلٍ ورَجْمٍ وجَلْدٍ هي مَضارٌ ومَفاسِدٌ واقِعةٌ على الأشخاصِ الَّتي هي مَحَلُ تلكَ العُقوباتِ، لكنَّها مَصالِحُ اعتَبَرَها الشارِعُ بالنَّظرِ لِما يترَتَّبُ عَليها مِن مَصالِحَ مَقصودَةٍ للشَّارِعِ.

والمصلحةُ أُمورٌ اعْتِبارِيَّةٌ تخْتَلِفُ حَسَبَ اخْتِلافِ مَشاعرِ النَّاسِ وعاداتِهمْ وأخْلاقِهمْ، وليسَ هذا هو المَقْصودُ هُنا، ولَكنَّ المَقصودَ بالمصلحةِ هنا: المُحافظةُ على مَقصودِ الشَّارعِ مِن المَصالِحِ النَّافِعةِ، الَّتي وَضَعَها وحدَّدَ حُدودَها، لاَ على مُقتَضى أهْواءِ النَّاسِ وشَهَواتِهمْ، لأِنَّه لا شَكَّ أنَّ المصالحَ المَبْنِيَّةَ على أهْواءِ النَّاسِ وشَهَوَاتِهمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015