غير معتبرة، وغير المعتبرة لا حاجة إليها لأنه لا يجوز تعليل الحكم الشرعي بمصلحة ليست معتبرة شرعاً، وإذا كانت المصلحة معتبرة فلا حاجة إليها في بناء الأحكام عليها للاستغناء عنها بالنص والقياس، لأن المصالح المعتبرة داخلة في عموم النص والقياس.
الجواب: ويجاب عن ذلك بأن حصر المصالح في المعتبرة وغير المعتبرة غير مسلم ولا دليل عليه، بل القسمة ثلاثية: مصالح معتبرة، ومصالح ملغاة، ومصالح سكت عنها الشارع فلم يشهد لها بالاعتبار ولا بالإلغاء، وهي المصالح المرسلة، وهي التي اعتبرها الشارع في الجملة حيث شهد لجنسها ولم يشهد لعينها، وهي معتبرة في بناء الأحكام عليها، ولم يؤد القول بها إلى قصور الشريعة عن البيان، وتقصير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التبليغ، بل أثبت القول باعتبارها أنه يؤدي إلى القول بوفاء الشرعية ببيان وتبليغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد بلغ ما أمر به وبين أحكام شرعه، وأن المصلحة المرسلة مرعية في التشريع حيث أقر معاذا رضي الله عنه على الاجتهاد بالرأي، وهو عام يتناول القياس والمصلحة المرسلة، وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم ذلك وحكموا في وقائع كثيرة بمطلق المصالح المرسلة من غير وجود دليل معين على اعتبارها، ومن غير وجود أصل تقاس عليه كجمع القرآن، وتوسيع المسجد وغير ذلك من الوقائع التي لا تعد ولا تحصى.
الترجيح: وبعد ذكر مذاهب العلماء وأدلتها ومناقشتها، ظهر أن المذهب الراجح في المسألة هو القول بحجية المصالح المرسلة حيث كانت ملائمة لمقصود الشرع، ولم تعارض نصاً، ولم تصادم قاعدة شرعية مقررة، خاصة وأنه استند إلى عمل السلف من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم وهم أعلم بمراد الشارع الحكيم، وأحرص الناس على اتباعه، فإذا ثبت عنهم العمل بهذا الأصل كان أكبر دليل على جواز العمل به شرعاً، وهو مذهب الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنه وجمهور الأصوليين، لأنه المصالح المرسلة هي المصدر الخصب لأحكام الوقائع المستجدة، الصالح لكل زمان ومكان،