مناقشة هذا الدليل: نوقش هذا الدليل بمنع الملازمة، وهي أن ترك العمل بالمصلحة المرسلة يلزم منه خلو الحوادث والوقائع عن الأحكام بثلاثة أوجه.
الأول: أن العمومات والأقيسة تغني عن القول بحجية المصالح المرسلة، لشمولها جميع الوقائع والحوادث، فلا حاجة إلى المصالح المرسلة.
الثاني: على فرض تسليم عدم كفاية العمومات والأقيسة لأحكام الوقائع والحوادث المتجددة، لا نسلم خلوها عن الأحكام الشرعية لأن من المقرر أن عدم وجود دليل على الحادثة بالإذن أو المنع، دليل على التخيير في تلك الحادثة بين الفعل والترك، والتخيير حكم شرعي، فلم تخل الوقائع والحوادث عن الأحكام مع القول بعدم حجية المصالح المرسلة.
الثالث: لا نسلم بطلان خلو الوقائع والحوادث عن الأحكام، بل يجوز أن تخلو بعض الوقائع والحوادث عن الأحكام، كما قال القاضي.
الجواب عن هذه المناقشات:
الجواب عن الوجه الأول: أن العمومات والأقيسة لا تستوعب جميع أحكام الحوادث المستجدة، لأن الحوادث تتجدد والمصالح تتغير بتغير الزمان والمكان، والعمومات ثابتة وقد تتعارض مع دليل المصلحة، ودليل المصلحة خاص فيقدم على العام والقياس لا يصح إلا بوجود أصل يقاس عليه، والوقائع بعضها ليس له نظير وليس له أصل يلحق به، فلا تغني العمومات والأقيسة عن العمل بالمصالح المرسلة، لأنه لا يعمل بالمصلحة المرسلة إلا عند عدم وجود نص أو قياس، فإذا وجد في الواقعة