دليل أو قياس يثبت حكمها ويدل عليه ـ فلا عمل بالمصلحة المرسلة، وإذا لم يوجد نص أو قياس، عمل بالمصلحة المرسلة، فثبت أن العمومات والأقيسة لا تغني عن القول بحجية المصالح المرسلة.
الجواب عن الوجه الثاني: وهو أن فقد الدليل يعتبر إذناً بالتخيير بين الفعل والترك، فهذا غير مسلم، لأن التخيير حكم شرعي لا يعلم إلا بدليل شرعي، ولم يجعل الشارع فقد الدليل دليلاً على التخيير، وأقصى ما يفيده عدم وجدان الدليل الشرعي الناقل عن البراءة الأصلية هو الرجوع إلى البراءة الأصلية، وهي ليست حكماً شرعياً، ضرورة أنه لا حكم قبل الشرع، ولا معنى للخلو عن الحكم إلا هذا.
والخلاصة: أن المعترض إن أراد بالتخيير بين الفعل والترك، الإذن الشرعي ـ فمسلم أنه حكم شرعي، ولكنه لا يثبت إلا بدليل شرعي، وليس فقد الدليل دليلاً شرعياً على الحكم فمن ادعاه فعليه البيان، وإن أراد به البراءة الأصلية بمعنى عدم ورود الإذن الشرعي في الفعل أو الترك، فلا نسلم أن التخيير بهذا المعنى حكم شرعي، لأنه ثابت قبل الشرع، ولا حكم قبل الشرع.
الجواب عن الوجه الثالث: (وهو خلو بعض الوقائع عن الأحكام) بأنه لا توجد حادثة إلا في الشرع دليل عليها، إما بالقبول أو بالرد، ولو أمكن خلو واقعة ما عن حكم، لوقع ذلك، ولو وقع لنقل إلينا، فلما لم ينقل إلينا ذلك، علمنا أنه لا توجد حادثة خالية عن حكم، فثبت من هذا أن كل واقعة لا بد لها من حكم، والمخالف في هذا هو القاضي أبو بكر الباقلاني، ولا يعتد به، لأن خلافه لا يقوى في مواجهة قول جمهور العلماء بأنه لا تخلو حادثة عن حكم لله تعالى.
المذهب الثاني: أن المصالح المرسلة حجة بشرط ملاءمتها لمقاصد الشرع:
وهو المشهور عن الإمام الشافعي رضي الله عنه كما حكاه عنه ابن برهان في (الوجيز) وقال: إنه الحق وحكاه إمام الحرمين في (البرهان) عن الإمام الشافعي ومعظم الحنفية.