المجتهد يسترشد بمقاصد الشريعة في إدراك المصلحة، وكونها مناسبة للحكم، أما بدون هذا الاسترشاد فلا يهتدي العقل إلى المصالح، أما منع إدراك العقل للمصالح، ولو مع الاسترشاد بمقاصد الشريعة ـ ممنوع، ولم يسلم الإمام الغزالي هذا الاعتراض ورد عليه، وإن سلم أصل الاحتمال، فقال في (المنخول): والذي نراه أن هذا في مظنة الاحتمال، والاحتكام عليهم بعد تمادي الزمان لا معنى له. اهـ.
رابعاً: المعقول:
استدل المثبتون لحجية المصالح المرسلة بالمعقول، فقالوا: لو لم تكن المصالح المرسلة حجة، وترك العمل بها، لخلا بعض الحوادث عن الأحكام، ولتعطلت كثير من مصالح الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولوقف التشريع عن مسايرة تطورات الناس، ولكن خلو بعض الحوادث عن الأحكام باطل، فبطل ما أدى إليه، وهو أن المصالح المرسلة ليست بحجة وثبت نقيضه، وهو أن المصالح المرسلة حجة، وهو المطلوب.
بيان الملازمة:
أن النصوص محصورة، والأحكام الثابتة بها محدودة، ومعاني النصوص لا تتناول أحكام الوقائع المستجدة، لأنها محصورة متناهية، والوقائع المستجدة غير متناهية، والقياس لا يصح إلا بوجود أصل يقاس عليه، ولم يوجد هذا في الوقائع المستجدة فيلزم من عدم اعتبار المصالح المرسلة حجة خلو كثير من الوقائع عن الأحكام، وهذا باطل.
دليل بطلان التالي: وهو خلو الوقائع عن الأحكام، قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
فإن الآية صريحة في أن الله تعالى قد أكمل لنا الدين أصولاً وفروعاً وبين لنا جميع أحكام الوقائع ما كان منها، وما يكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.