يَشْهدْ له أَصْلٌ مُعَيَّنٌ فالمَصْلحةُ هُنا غَيرُ مَاخُوذَةٍ بِطَريقِ القِياسِ على أصْلٍ مُعَيَّنٍ، وإنَّما كانَ اعْتِبارُها مُقَيَّداً بِأوْصافٍ ثَلاثَةٍ كَونُها ضَرُورِيَّةً كُلِّيَّةً قَطْعيةً.
وذَكَرَ الَّشاطِبِيُّ وغَيرُه شُروطاً أُخْرَى غَيرَ الَّتي شَرَطَها الغَزَالِيُّ، وهي أقْرَبُ مِساساً بِالمَصالِحِ المُرسَلَةِ، وأَوْسَعُ في اسْتِعْمالِها وَأَكْثَرُ في رَفْعِ الحَرَجِ مِن غَيرِها:
الأَوَّلُ: أنْ تَكونَ المَصلَحَةُ المُرسَلَةُ مُلائِمَةً لِمَقصودِ الشَّرعِ، بحيثُ لا تُنافِي أَصْلاً مِن أُصولِه ولا دَليلاً مِن دَلائِلِه، فَالمَصلحَةُ المُناقِضَةُ لِمَقْصودِ الشَّرْعِ المُعارِضَةُ لأِصْلٍ مِن أُصولِه ودَليلاً مِن أَدِلَّتِه مَرْدُودَةٌ بِالاتِفاقِ، وقدْ زادَ الغَزَالِيُّ في (شِفاءِ الغَلِيلِ) هذا الشَّرْطَ كما أَشَرْنَا.
الثَّانِي: أنْ تَكونَ مَعْقولَةً في ذاتِها، بِأنْ تَكونَ جارِيَةً عَلى الأَوْصافِ المُناسِبَةِ المَعْقولَةِ بِحيثُ لَوْ عُرِضَتْ على أَهْلِ العُقُولِ السَّليمَةِ تَلَقَّوها بِالقَبُولِ.
الثَّالِثُ: أنْ تَكونَ المَصلحَةُ حقِيقِيَّةً لا وَهْمِيَّةً، وذلكَ يَتَحَقَّقُ عندَ المُجتَهِدِ بِأنَّ بِناءِ الحُكْمِ عَلَيها يَجْلِبُ نَفْعاً ويَدْفَعُ ضَرَراً، فَإِذا تَوَهَّمَ المُجْتَهِدُ النَّفْعَ في المَصلحَةِ دُونَ أنْ يُوازِنَ بَينَهُ وبَينَ الضَّرَرِ لا يَجوزُ بِناءُ الحُكمِ علَيها.
مِثالُه: سَلْبُ الزَّوجِ حَقَّ الطَّلاقِ وجَعْلُه لِلقاضِي في جَميعِ الحالاتِ، بِناءً على أَنَّ هذا مَصْلَحةٌ راجِعةٌ إلى المَرْأَةُ، فَهذِه مَصْلحَةٌ وَهْمِيَّةٌ، لأِنَّ اللَّهَ تَعالى شَرَعَ الطَّلاقَ بِيدِ الرَّجُلِ لأِنَّه هو الَّذي عَليه النَّفَقَةُ ويَتَحَمَّلُ المَسْئُولِيَّةَ، ولا يَقْدُمُ على هذا إلاَّ إذا رَأَى البَقاءَ أَكْثَرَ ضَرَراً مِن الطَّلاقِ.
الرَّابِعُ: أنْ يَكونَ حاصِلُها يَرجِعُ إلى رَفْعٍ لِحَرَجٍ لازِمٍ في الدِّينِ، لِقولِه تَعالَى: